- الأزمة «الروسية - الأوكرانية» تلقى بتداعياتها بعد جائحة كورونا.. زيارة السعودية سبقتها زيارات للكويت والإمارات.. ودول الخليج تؤكد على دور مصر المحورى فى دعم استقرار وتنمية دول المنطقة
تمر المنطقة العربية، لا سيما العالم أجمع، بمرحلة دقيقة، لها العديد من التداعيات على مستويات كافة، ففى ظل ما زال يُعانيه العالم من تداعيات جائحة كورونا مُحاولا التعافى منها، نشبّت الأزمة «الروسية - الأوكرانية» لتُلقى بظلال تداعياتها مرة أخرى على الجميع شرقا وغربا، إضافة إلى مخاوف عالمية باستمرار هذه الأزمة لمدة أطول، وعلى المستوى العربى هناك العديد من القضايا التى تُمثل ملفات حيوية للأمن القومى على المستويين المصرى والخليجى، فى مقدمتها ملف الأزمتين اليمنية والليبية، إلى جانب القضية المحورية محل الاهتمام العربى على مدار سنوات، حيث القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى ملف الأزمة السورية ملف أمن مصر المائى، والذى تؤكد على أهميته وأحقية مصر والسودان فيه جميع الدول المُحيطة والصديقة، لذلك ولكل ما سبق ذكره يعى قادة المنطقة أهمية الوحدة العربية وضرورة العمل الدائم على التنسيق والتعاون المشترك لحل القضايا الشائكة، ومُجابهة التحديات التى يُمكن أن تواجه منطقتنا مستقبلا بسبب ما يشهده العالم من تغيُرات سياسية واقتصادية وأيضا على مستوى التحالفات.
وشهدت الشهور الماضية، تحركات دبلوماسية عديدة من قبل القيادة السياسية المصرية سواء أوروبيا أو آسيويا أو على المستويين العربى والخليجى، من مُنطلق مسؤولية قُدّر لمصر أن تتحملها على مدار التاريخ، فهى قلب الأمة العربية، ورمانة الميزان فى مُعادلات الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
وجاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى المملكة العربية السعودية أمس الأول الثلاثاء، بعد أسابيع قليلة من زيارته إلى دولة الكويت الشيقة والتى جاءت كزيارة رسيمة هى الأولى من نوعها فى عهد أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وقد سبقتها زيارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة فى يناير الماضى، والتى التقى خلالها الرئيس السيسى مع العاهل البحرينى، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والذى أكد بدوره فى فبراير الماضى، خلال استقباله المستشار الدكتور حنفى على جبالى رئيس مجلس النواب أثناء زيارته للبحرين، على دور مصر المحورى فى الدفاع عن مصالح الأمة العربية، مؤكدا على ما تشهده مصر من تقدم حضارى وتنموى تحت قيادة الرئيس السيسى، مُثمنا المواقف الراسخة لمصر بقيادة الرئيس والداعمة لمملكة البحرين.
إلى جانب رسائل دبلوماسية مُستمرة بين مصر وسلطنة عُمان، تؤكد متانة العلاقات بين البلدين، ودور مصر المحورى لخدمة دول وشعوب المنطقة، مثلما ذكر السلطان هيثم بن طارق فى رسالة تحية له، نقلها السفير المصرى لدى السلطنة، خالد راضى إلى الرئيس السيسى، فى نوفمبر من العام الماضي. وتؤكد نتائج زيارات الرئيس السيسى إلى دول مجلس التعاون الخليجى، على أهمية أمن الخليج بالنسبة لمصر، وأنه كما أكد الرئيس مرارا وتكرارا بأن «أمن مصر من أمن الخليج».
ومن الكويت أكد الرئيس السيسى على حرص مصر على استقرار وأمن كل الدول الخليجية الشقيقة فى مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية، فيما أكد ولى عهد أبوظبى، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال زيارة الرئيس إلى الإمارات، على تقديره البالغ للدور الاستراتيجى والمحورى الذى تقوم به مصر تحت قيادة الرئيس السيسى فى حماية الأمن القومى العربى والدفاع عن قضايا الأمة العربية، وكذلك مساعى مصر الدؤوبة فى سبيل ترسيخ الأمن والاستقرار والتنمية فى المنطقة، وذلك ارتكازا على ثقل دور مصر ومحوريته ومقوماته على الساحة الإقليمية، كما أشاد ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، بدور مصر المحورى فى دعم أمن واستقرار الدول العربية وجهودها المقدرة لتعزيز العمل العربى المشترك على جميع المستويات، مؤكدا تطلع السعودية لمواصلة دفع العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين فى مختلف المجالات، خاصة على المستوى الاقتصادى والاستثمارى والتنموى.
وكشف البيان المشترك لزيارة الرئيس السيسى إلى السعودية، مدى عُمق العلاقات بين البلدين والتفاهم حول كثير من القضايا والملفات، وأيضا مدى التعاون البناء فى كثير من المجالات، فقد أشار البيان والذى تم نشره عبر وكالة الأنباء السعودية، «واس»، إلى أجواء المودة والإخاء الذى يُجسد عمق العلاقات المُتميزة القائمة بين البلدين الشقيقين، وجلسة المباحثات الرسمية التى جمعت بين الرئيس السيسى والأمير محمد بن سلمان، وما تم خلالها من استعراض للعلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين الشقيقين، والإشادة بمستوى التعاون والتنسيق فيما بينهما على جميع الأصعدة، كما تم بحث سبل تطوير وتنمية العلاقات فى كافة المجالات بما يعزز ويحقق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، كما تناولا مستجدات الأوضاع التى تشهدها المنطقة والعالم، مؤكدين على وحدة الموقف والمصير المشترك تجاه مجمل القضايا والتطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، أيضا تبادلا وجهات النظر حول المسائل والقضايا التى تهم البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية، وأكدا على العمل على تنسيق مواقفهما بما يخدم مصالحهما ويُعزز الأمن والاستقرار بالمنطقة، إضافة إلى التأكيد على الأمن القومى العربى كل لا يتجزأ.
تحركات الرئيس السيسى تعكس حكمته
الرئيسة السابقة لجمعية الصحفيين البحرينية، الإعلامية، عهدية أحمد تؤكد على أن مصر هى قلب العرب، وأن زيارة الرئيس السيسى إلى السعودية مُهمة جدا، ولا تعكس فقط عمق التعاون بين البلدين، ولكن عمق العلاقة الأخوية بين الشقيقين. وأضافت فى تصريحات خاصة لـ»اليوم السابع» على أن أى تحرك لمصر مع حلفاءها وأشقاءها من دول الخليج، هى تحركات مباركة.. ولا ننسى دور الرئيس السيسى فى عودة مصر إلى دورها وعظمتها، وكيف عادت العلاقات المميزة بين مصر ودول الخليج بعد تأثرها خلال فترة حُكم جماعة الإخوان الإرهابية، ولا ننسى أيضا دور الرئيس السيسى فى التحالف العربى لمحاربة التطرف والإرهاب، وقالت: «عندما يكون رجل عظيم استطاع أن يُعيد علاقات مصر بعد فترة عصيبة مرت بها، نرحب بزياراته إلى بلداننا، ونعتز جميعا به، فهو نجح فى أن يعيد وضع مصر على خارطة العالم فى أمور مُشرفة فى ظل التطور الذى حدث فى عهده وتحركاته على المستوى الإقليمى والدولى ودور الوساطة فى حل الأزمات، وجميعها تعكس حكمته».
أمن الطاقة العالمى
وعن الزيارات المتبادلة بين القيادتين المصرية والسعودية وآخرها التى جرت أول أمس، يقول عضو مجلس الشورى السعودى، فضل بن سعد البوعينين، أنها تعكس عمق العلاقة الأخوية والشراكة الإستراتيجية بين البلدين، كما تؤكد على حرص القيادتين على تعزيزها بشكل أكبر ونقلها إلى آفاق أوسع، وأضاف فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع» أنه يرى أن التنسيق السياسى والأمنى وتوحيد المواقف بما يحقق أمن واستقرار البلدين والمنطقة عموما والممرات البحرية وحماية الملاحة البحرية؛ يُعد من أهم مخرجات اللقاء، خاصة فى مثل هذه الظروف الاستثنائية، وما يحدث من مخاطر جيوسياسية عالمية قد تمتد تداعياتها لتصل إلى منطقتنا.
ويشدد «البوعينين» على رؤيته بأهمية محور أمن البحر الأحمر والخليج العربى وحماية الملاحة البحرية لما لها من انعكاس مباشر على الدول المشاطئة، وضمان تحقيق أمن الطاقة العالمى من خلال حماية امدادات الطاقة وناقلات النفط العابرة عن طريق الخليج العربى والبحر الأحمر، مشيرا إلى أهمية تعزيز الشراكة الاقتصادية استثماريا وتجاريا ونقلها إلى آفاق أوسع من خلال تحقيق التكامل بين الفرص المتاحة من خلال رؤية المملكة العربية السعودية 2030، ورؤية مصر 2030، إضافة إلى تمكين الشراكة بين القطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات المتبادلة وتعزيزها فى العديد من القطاعات المستهدفة، ومنها مجالات السياحة والطاقة والخدمات اللوجستية والاتصالات وتقنية المعلومات والزراعة، وقال: «ما زلت أعتقد أن جسر الملك سلمان سيكون حال تنفيذه جسرا لتحقيق التكامل الاقتصادى بين البلدين والشراكة الاستراتيجية فى جميع المجالات، وأن الربط الكهربائى، سيُسهم فى التبادل التجارى للطاقة الكهربائية إضافة إلى تعزيز المحتوى المحلى المرتبط بصناعة الطاقة والصناعة عموما».
موقف عربى موحد
من جانبه، يرى أستاذ الإعلام السياسى، الدكتور عبدالله العساف، أن هذه المرحلة التى يمر بها العالم أجمع والمنطقة أيضا من تحولات جيوسياسية من المؤكد أن تبعاتها ستُطال المنطقة من النواحى السياسية والاقتصادية حيث أسعار الطاقة هذه المادة الحيوية التى بدأت تشهد اليوم ارتفاعا ملحوظا ما ينعكس على أسعار السلع الاستهلاكية وعلى المستهلكين والمنتجين على حد سواء، وهو ما يتطلب تنسيق المواقف السياسية بين الدول فى منطقتنا، مؤكدا على ما يربط مصر والسعودية من علاقات قوية وممتدة، وأن زيارة الرئيس السيسى إلى السعودية تأتى من مُنطلق دوافع سياسية واقتصادية وعسكرية تتطلب التشاور فيما بين الجانبين، لافتا إلى أن البلدين يشكلان الآن جناحا الأمن القومى العربى، فهما دولتان مهمتان ولاشك أنه كلما كان هناك علاقة تقارب وتلاحم بين السعودية ومصر، فإن هذا يُلقى بظلاله الإيجابية على العرب كافة فى شتى النواحى. وأضاف فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع» أنه يرى أن تبادل الزيارات بين قادة الخليج والرئيس السيسى أمر فى غاية الأهمية بهدف التنسيق والتشاور وتبادل الآراء حول ما يُمكن أن يحدث وبلورة موقف عربى مُوحد مشترك تجاه الأحداث، مشيرا إلى أننا من المؤكد سنكون فى مرحلة مهمة من مراحل الاستقطاب، وبحاجة إلى التوحُد لحماية بلادنا من الإنحياز شرقا أو غربا، وعلينا أن ننحاز إلى مصالحنا فقط، قائلا: «هذا مرهون بمدى قدرتنا على اتفاقنا على رأى واحد.. وصحيح أن الجامعة العربية اجتمعت على مستوى المندوبين خلال الأسبوعين الماضيين، لكننى أرى أهمية إلى اجتماع على مستوى القادة والزعماء لتجنيب المنطقة تبعات ما يحدث اليوم بين الشرق والغرب من صدامات، حتى إن كانت ليست صدامات عسكرية، ولكنها اقتصادية، وعلينا أن نعى أن اليوم المنطقة ليست كمنطقة الأمس، ولا الولايات المتحدة الأمريكية كما كانت أمس، لذا علينا أن نتفق على رؤية مشتركة وقرار ورأى واحد».برامج تنموية
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسى ومدير الإذاعة الإخبارية السعودية، مبارك آل عاتى على أن محادثات العاهل السعودى، الملك سلمان بن عبدالعزيز وولى العهد الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس السيسى، تأتى فى ظرف سياسى مهم تشهده المنطقة والعالم، لما يتمتع به البلدان من موقع جيوسياسى جسد ثقلهما على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، كما تمتاز مواقف البلدين الشقيقين بتطابق الرؤى حيال القضايا الإقليمية والدولية بإختلاف جوانبها، إلى جانب علاقات تتميز بالمتانة والعمق التاريخى وبالمكانة العالية، وقال فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»: «يجمع مصر والسعودية أهداف مشتركة واتفاقيات ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية تنموية، فالجسر البرى المقرر إنشاؤه على سبيل المثال، يأتى فى خطوة تاريخية تربط بين القارتين الآسيوية والأفريقية، وسيُسهم فى رفع التبادل التجارى بين القارات إلى مستويات غير مسبوقة تدعم صادرات البلدين إلى العالم، وسيشكل منفذا دوليا للمشروعات الواعدة للبلدين ومعبرا أساسيا للسفر وللسياحة بين القارات وبين الدول العربية». وأشار إلى مكانة مصر لدى السعودية على مر العصور، قائلا: «لقد حرص الملك المؤسس على ترسيخ أساس صلب للعلاقات الثنائية بين البلدين، وكانت زيارته لمصر عام 1946 هى الزيارة الخارجية الوحيدة التى قام بها الملك عبدالعزيز طيلة فترة حكمه رحمه الله، وفى 27 أكتوبر 1955 وقع البلدان اتفاقية دفاع مشترك فى القاهرة، وأثناء العدوان الثلاثى على مصر 1956 وقفت المملكة بكل ثقلها إلى جانب الشقيقة مصر فى كافة المجالات».تبادل الخبرات
وقال رئيس تحرير صحيفة عاجل السعودية، سلطان المالكى: «إن العلاقة بين مصر والسعودية تاريخية وممتدة، فكلا البلدين هما رمانة الميزان فى الشرق الأوسط، أو كما نقول الشقيقتان الأكبر فى المنطقة العربية، وزيارة الرئيس السيسى إلى المملكة هى امتداد لتلك العلاقات القوية بين البلدين، وتأكيد على رسوخها»، ولفت فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع» إلى أن الرئيس السيسى والعاهل السعودى، الملك سلمان، وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، ناقشوا عددا من الملفات المهمة، أبرزها العلاقات الثنائية العريقة بين البلدين الشقيقين وفرص تطويرها فى مختلف المجالات، وتطورات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة تجاهها، إلى جانب بحث مجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك، فى ظل التطورات الكبيرة التى تعيشها المنطقة والعالم بأسره، موضحا أن مثل هذه اللقاءات والزيارات المتبادلة تساعد بشكل كبير على حل العديد من القضايا العالقة والمشاكل التى تواجه المنطقة العربية، وكذلك تبادل الآراء والخبرات والمعلومات العسكرية والأمنية والاستخباراتية التى تهم البلدين، والمشاريع المشتركة خاصة أن هناك عددا كبيرا من المشاريع قائمة بين البلدين الكبيرين.