تشهد العلاقات المصرية السعودية واحدة من أزهى عصورها حاليا، فالتنسيق الكامل والتشاور الدائم هو سمة العلاقات بين البلدين؛ بهدف مواجهة كل ملفات المنطقة وأزماتها، وما يتعلق بها من تهديدات وتحديات؛ انطلاقًا من فرضية أساسية، تقوم على الرفض التام لكل التدخلات الإقليمية في شئون الدول العربية أيا كان مصدرها؛ كونها تشكل تهديدا لاستقلال الأراضي العربية وسيادتها، وتفكيكا لوحدتها الوطنية، ومن هذا المنطلق تدعم الدولتان المبادرات السياسية والحلول السلمية لكل أزمات المنطقة؛ في سوريا واليمن وليبيا، وفقا لقرارات مجلس الأمن والمبادرات الإقليمية والمرجعيات ذات الصلة؛ بما يحافظ على استقرار هذه الدول ووحدة ترابها الوطني، ويضع مصالحها الوطنية فوق كل الاعتبارات، ويؤسس لحل دائم يكفل الأمن والاستقرار لشعوب هذه الدول، بمعزل عن التدخلات الخارجية.
لذا كان طبيعيا جدا أن تنمو تلك العلاقات بشكل مطرد مؤخرا في ظل التفاهمات بين قيادة الشعبين الشقيقين، وتأكيدا لعمق العلاقات المتجذرة بين مصر والسعودية، وامتدادا للروابط التاريخية والراسخة وأواصر التعأون الوثيقة التى تجمع بين المملكة العربية السعودية ومصر، وإنفإذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، أودعت المملكة العربية السعودية 5 مليارات دولار لدى البنك المركزى المصرى، تأكيدا لتميز الصلات الثنائية بين البلدين والشعبين الشقيقين فى جميع المجالات وعلى كل المستويات، واستمراراً من المملكة العربية السعودية، ضمن الجهود الحثيثة ودورها الريادى الدائم، فى دعم جمهورية مصر العربية الشقيقة.
ولعل لقاءات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وأخيه الرئيس عبد الفتاح السيسي تأتي تأكيدا لتجذر تلك العلاقات التاريخية، وهو ما عكسته زيارة الرئيس السيسي إلى المملكة العربية السعودية أوائل مارس الماضي، وتأتى هذه الزيارة في إطار عمق العلاقات المصرية السعودية وما يربط بين الدولتين الشقيقتين من علاقات أخوة وتعاون على جميع الأصعدة، حيث بحث السيد الرئيس خلال الزيارة مع شقيقيه جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي عهد المملكة العربية السعودية نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، العلاقات الثنائية الوثيقة التي تجمع بين البلدين، فضلا عن التشاور والتنسيق حول مختلف القضايا والأزمات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك خلال المرحلة الراهنة، والتى تتطلب تضافر الجهود من أجل حماية الأمن القومي العربي .
عمق ومتانة العلاقات التاريخية التى تجمع مصر والمملكة العربية السعودية حكومة وشعبا، ازدادت رسوخا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وترجمت في زيارات واتصالات لا تنقطع بين مسئولي البلدين؛ بغرض تعزيز علاقاتهما ودعمها في مختلف المجالات، وأكد خبراء، أن زيارة الرئيس السيسى فى هذا التوقيت إلى الرياض تأتي في إطار (القناعة المصرية السعودية بتطوير بنية ومنظومة العلاقات) بين البلدين ، وأضافوا أن مصر والسعودية تربطهما علاقات قوية.. وهما ركائز الأمن القومي العربي.. واعتقد أن تلك الزيارة سوف يكون لها تداعيات إيجابية ومهمة جدا للبلدين، وأتوقع أن تشكل مباحثات الرئيس السيسي والملك سلمان دفعة قوية لتعزيز الشراكة المصرية السعودية.
والأمر المؤكد أن هنالك علاقات راسخة وممتدة تجمع المملكة العربية السعودية ومصر هدفها خدمة شعبي البلدين والتصدي للتطرف والإرهاب وغيرها من الأخطار المحدقة بالمنطقة، وليس الأمر وليد اليوم أو اللحظة الحالية فترجع العلاقات المصرية السعودية في جذورها التاريخية بين البلدين ممتدة منذ سنين طويلة، وكان عام 1926 عاما مهمة في العلاقات بين مصر والسعودية، حيث تم توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين، وكانت السعودية مؤدية لمطالب مصر الوطنية في جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية، ووقفت إلى جانبها في الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية، وفى 27 أكتوبر عام 1955 وقعت اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين.
وبعد تعرض مصر للعدوان الثلاثي عام 1956م ساندت المملكة مصر وقدمت لها نحو 100 مليون دولار، بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي، كما أعلنت التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر، وتكرر الدعم والمساندة أيضا عقب العدوان الإسرائيلي على الدول العربية مصر وسوريا والأردن في عام 1967م، وفي ذلك الحين كان نداء الملك فيصل بن عبد العزيز إلى الزعماء العرب، مطالبا بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة المعتدى عليها، وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود، واستمرت المساندة السعودية لمصر حتى حرب أكتوبر، حيث وقفت السعودية إلى جانب مصر في حرب أكتوبر 1973، وتجلى التضامن العربي في أبهى صوره في ذلك الحين من خلال الدعم العسكري والمواقف المساندة.
حيث قرر العاهل السعودي الملك فيصل استخدام سلاح بديل عن البارود؛ فدعا لاجتماع عاجل لوزراء النفط العرب في الكويت.
وأسفر عن ذلك قرار عربي موحد بخفض الإنتاج الكلي العربي للنفط 5%، وخفض 5% من الإنتاج كل شهر؛ حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967، وأعلنت المملكة وقف بيع البترول للولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل؛ لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، كما قام الأمير سلطان بن عبد العزيز بتفقد خط المعركة في أحد الخنادق على الجبهة المصرية، وتبرع الملك فيصل بمبلغ 200 مليون دولار للجيش المصري، بجانب تأسيس لجنة لجمع التبرعات لصالح الجيش المصري؛ دعما للمعارك والمجهود الحربي في مصر، ما ساعد على تعزيز العلاقات بين مصر والسعودية، في العقود التالية.
في عام 1945م وافق الملك عبدالعزيز آل سعود، على (بروتوكول الإسكندرية)، وأعلن انضمام المملكة العربية السعودية للجامعة العربية، وفي 27 أكتوبر عام 1955م وُقِّعَت اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، وقد رأس وفد المملكة في توقيعها بالقاهرة آنذاك الملك فيصل بن عبدالعزيز ، وأثناء العدوان الثُّلاثي على مصر عام 1956م وقفت المملكة بكل ثقلها إلى جانب مصر في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وفي عام 1987 م زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، حينما كان أميراً لمنطقة الرياض آنذاك مصر؛ لافتتاح معرض المملكة بين الأمس واليوم في القاهرة ، وعقب توليه مقاليد الحكم توالت اللقاءات الرسمية بين القيادتين، والتي تناولت أوجه التعاون الثنائي لما فيه مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، وقد ارتقت العلاقات الثنائية بين مصر والمملكة العربية السعودية ، بدعم وتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية من خلال تأسيس مجلس التنسيق المصري - السعودي ، وإبرام حكومتي البلدين نحو 70 اتفاقية و"بروتوكول" ومذكرة تفاهم بين مؤسساتها الحكومية.
وتتمتع مصر والسعودية بثقل وقوة وتأثير على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، مما يعزِّز من مستوى وحرص البلدين على التنسيق والتشاور السياسي المستمر بينهما؛لبحث مجمل القضايا الإقليمية والدولية في مواجهة التحديات المشتركة، وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، والأمن والسِّلم الدوليين، وتعدّ مصر من أوائل الدول التي استقبلت الطلبة السعوديين ،إذ أمر الملك عبدالعزيز في العام 1927 بإيفاد أول دفعة دراسية إلى مصر، وضمت تلك الدفعة 14 دارسا، وتقدر إحصاءات وزارة التعليم عدد الطلبة السعوديين في مصر حاليا بنحو (2220) طالبا يتلقون تعليمهم في مختلف التخصصات بالجامعات والكليات والمعاهد المصرية.
وفي عام 2020 تأسست جامعة الملك سلمان الدولية، وهى تعد إحدى مخرجات برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، لتنمية شبه جزيرة سيناء، وتضم هذه الجامعة 16 كلية و56 برنامجا في 3 فروع ذكية بمدن الطور، ورأس سدر، وشرم الشيخ، وتوصف بأنها واحدة من جامعات الجيل الرابع الذكية، وتهدف إلى تقديم تجربة جامعية فريدة من نوعها يمتزج فيها التعلم باستخدام أحدث التقنيات، والخبرة التطبيقية، والمعارف النظرية، وخدمة المجتمع، وتنمية البيئة.
وفي الشأن الاقتصادي، ترتبط مصر والسعودية بعلاقات تجارية متنامية، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الست الماضية (2016 - 2021م) 179 مليار ريال ( حوالي 47.7 مليار دولار)، وتنامى حجم الصادرات السعودية غير النفطية إلى مصر بنسبة 6.9% خلال العام 2021م مسجلاً 7.2 مليارات ريال ( حوالي 1.9 مليار دولار)، وتتمتع مصر بموقع جغرافي إستراتيجي، وقوة عاملة كبيرة ، ويبلغ عدد سكانها قرابة 103 ملايين نسمة، ما يجعلها سوقا استراتيجيا في المنطقة، كما أن لديها إمكانات سياحية عالية، جعلتها سوقا جاذبا للاستثمارات في مجالات السياحة، والكهرباء والطاقة المتجدِّدة، والبناء والعقارات.
ويحرص القطاع الخاص المصري والسعودي للاستثمار في أسواق البلدين لما تتميِّز به من مقومات وفرص، إذ توجد (6285) شركة سعودية في مصر باستثمارات تفوق 30 مليار دولار، كما توجد في المقابل 274 علامةً تجاريةً مصريةً، وأكثر من 574 شركةً مصريةً في الأسواق السعودية، وفي المقابل زادت الاستثمارات السعودية في السوق المصرية، ووجدت (1035) شركةً مصريةً فرصاً واعدةً للاستثمار في السوق السعودية، وتبلغ قيمة رأس مال الشركات التي يملكها أو يشارك فيها ملكيتها مستثمرون مصريون في المملكة 4.4 مليار ريال، تتركَّز أغلبها في قطاعات الصناعات التحويلية، والتشييد.
وبلغت إجمالي مساهمات الصندوق السعودي للتنمية نحو 8846.61 مليون ريال لتمويل 32 مشروعًا في قطاعات حيوية ، شملت إنشاء طرق، وتوسعة محطات الكهرباء، وتحلية ومعالجة المياه، وإنشاء مستشفيات وتجمعات سكنية في مصر، كما تعدُّ مصر من الدول الرائدة عربيا في المجال الثقافي، وتسعى وزارة الثقافة السعودية إلى تفعيل التعاون الثقافي والفني مع مصر، حيث تعاون البلدان معا في تسجيل ملف الخط العربي لإدراجه في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة اليونسكو، وسجل خلال شهر ديسمبر 2021م.
وتتطلع المملكة إلى توطيد التعاون والشراكة مع مصر في العديد من المشروعات الحيوية في مجالات الاتصالات وتقنية المعلومات، من خلال بناء القدرات البشرية والرقمية، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، والذكاء الاصطناعي، وكذلك التعاون في مجال التوعية الرقمية والتحوُّل الرقمي، إلى جانب التعاون في مجال الكابلات البحرية للاتصالات، وقد أسهم الصندوق الصناعي في دعم وتمويل 17 مشروعا مشتركا مع مصر، بقيمة تزيد على 393 مليون ريال، ويوجد 27 مصنعا باستثمارات مصرية في المدن الصناعية السعودية، وذلك في عدد من المجالات، مثل: صناعة الأجهزة الكهربائية، والمعادن، والتصنيع الغذائي، والمطاط والبلاستيك، والصناعات الطبِّية، وغيرها.
وفي عهد الرئيس السيسي، زاد عمق ومتانة العلاقات التاريخية التي تجمع مصر والمملكة العربية السعودية حكومة وشعبا، حيث كانت السعودية من الدول المساندة لمصر في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، وبعد تولي الرئيس السيسي الحكم في 2014 ازداد عمق العلاقات والتنسيق والتشاور بين القيادتين في القاهرة والرياض، بهدف مواجهة كل ملفات المنطقة وأزماتها، وما يتعلق بها من تهديدات وتحديات، وتتفق البلدان على ضرورة المبادرات السياسية والحلول السلمية لكل أزمات المنطقة؛ بما يحافظ على استقرار الدول العربية ووحدة ترابها الوطني، ويضع مصالحها الوطنية فوق كل الاعتبارات، ويؤسس لحل دائم يكفل الأمن والاستقرار لشعوب هذه الدول، بمعزل عن التدخلات الخارجية، وكذلك تؤكد مصر دعمها لأمن الخليج كجزء لا يتجزأ من أمنها القومي.