على مدى سنوات أتابع حجم التطور فى هيئة البريد المصرى، وكيف قفزت الخدمات فى مكاتب البريد التى أصبحت جزءا من حياة المواطنين، وكيف تحولت إلى قبلة لملايين الناس ممن يتقدمون إلى الإسكان أو يرسلون ويستقبلون أموالا بشكل سريع وآمن، فضلًا عن الدور الذى أصبح البريد يحتله فيما يتعلق بنقل الطرود بأحجام كبيرة وبأسعار تقل عن نصف ما تحصل عليه شركات منافسة، كل هذا تم خلال سنوات قليلة، كانت مكاتب البريد مجرد مكاتب بائسة لصرف المعاشات، وهى خدمة لم تكن تقدم بشكل إنسانى، على عكس ما أصبح سائدًا، وما يتوقع أن يتم فى ظل قفزة تجرى خلال السنوات الأخيرة. وقد تعاملت وتابعت معاملات لآخرين، فيما يتعلق بالتحويلات الفورية، للمبالغ الصغيرة والكبيرة بنفس الكفاءة، والسرعة والدقة، التى جعلت البريد جزءا من حركة التوفير والتحويل وبصورة احترافية.
وفى ظل الاقتصاد الرمزى، نجح البريد فى الالتحاق بأدوات العصر الحديثة، مع تطور فى التسوق الإلكترونى، فيما يشبه المفارقة، فمع التطورات الهائلة فى التكنولوجيا والاتصالات والثورة الكبيرة فى هذا القطاع، كان التصور أن ينتهى دور هيئة كبيرة مثل البريد، مثلما انتهت الكثير من مهام هذه المؤسسات فى العالم، فى عصر الواتس آب والبريد الإلكترونى والمكالمات بالفيديو، لم يعد الناس يرسلون خطابات أو يستقبلونها، وانتهت الكثير من الوظائف التى يقوم بها البريد، وبالتالى نظريًا لم يعد هناك حاجة لهيئة مثل هذه وكان الطبيعى أن يتم الاستغناء عن آلاف العاملين فى هذه الهيئات لكن ما جرى يبدو نوعًا من الخيال فقد واصلت الهيئة فى تطوير نفسها والتحقت بالعصر.
لم يعد البريد مجرد هيئة تقليدية تقدم خدمات بريدية من إرسال الخطابات الورقية وطوابع تذكارية وخدمات التوفير أو الطرود البريدية وصرف المعاشات، لكن أيضًا تقدم مكاتب البريد خدمات الأحوال المدنية والمرور وخدمات قنصلية ودفع مصروفات المدارس الحكومية وشحن عدادات الكهرباء وطرح شقق الإسكان الاجتماعى وغيرها من الخدمات الحكومية، وخلال خمس سنوات شهدت نقلة نوعية على مستوى الخدمات والمكاتب وتدريب العاملين وتحقيق الشمول المالى والتحول الرقمى عبر أكثر من 4 آلاف مكتب على مستوى الجمهورية، وبعضها فى مناطق نائية ربما لا تتوفر فيها خدمات بنكية، وتم تطوير أغلب هذه المكاتب بصورة تجعلها ضمن منظومة متقدمة وتقنية، مع متابعة ومراقبة أداء جميع الخدمات التى تقدمها الهيئة القومية للبريد، ودعمها تكنولوجيا وتأمينيا، وتطوير شكل وأداء مكاتب البريد، لتتجاوز الشكل البائس السابق، وتصبح مساحة جذب شكلا ومضمونا.
وفى عصر التسوق «أونلاين» ظهرت هيئة البريد وطورت من أدائها وأصبحت تقدم خدمة لتوصيل ونقل البضائع والسلع بشكل كبير مع الأخذ فى الاعتبار أن العقود الماضية عرفت ظهور شركات نقل الرسائل أو البريد السريع تقدم الخدمة بأسعار ضخمة، وكان البريد المصرى يقدم هذه الخدمات لكن بشكل أبطأ وأقل جودة لكن مع السنوات الأخيرة تطورت هذه الخدمة وأصبحت تنافس الشركات الخاصة بل وبأسعار تقل عن نصف ما تحصله الشركات الكبرى، وتلبى الاحتياجات اليومية والمالية للعملاء من إرسال واستقبال الأموال، وسداد جميع المدفوعات عبر الإنترنت، وطلب كل الاحتياجات اليومية «البقالة - الأدوية - المستلزمات الأساسية»، وتوفير بطاقة مسبقة الدفع للتعامـل على التطبيق ويمكن شحن البطاقة من خلال أى مكتب من مكاتب البريد.
وكل هذه الخدمات تقدمها الهيئة بشكل تنافسى، فى ظل منافسة كبيرة من شركات أو بنوك، وبالتالى من الطبيعى أن تسعى هذه الهيئة لتسويق خدماتها، بشكل احترافى، مثلما تفعل الشركات المنافسة، وهو أمر طبيعى، يبدو من اللافت أن البعض يستكثر على شركة بهذا الحجم والنشاط تسويق منتجها وخدماتها، بشكل احترافى، وناجح، فى زمن تدور فيه المنافسة على أشدها، وفى ظل هذه المنافسة، نجح البريد المصرى فى احتلال مساحة تتسع يوميًا باحترافية كبيرة، وأسعار أقل كثيرًا من مثيلاتها، وربما لهذا تتعرض الهيئة أحيانًا لنيران منافسة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة