يحتل الفنان أحمد مكى أنصع ركن فى قلب الكوميديا العربية نظرا لدوره فى الارتقاء بمفهوم الكوميديا بكل أطيافها، خاصة فن الإفيه الهادف غير المبتذل، وذلك فى مسلسله (الكبير 6) الذى خطف أنظار كل مشاهدى البرامج فى رمضان بعدما أصبح دون منافس بشكل لا إرادى كرد فعل للمشاهد بضغطة ذر على الريموت كنترول أمام الشاشة الصغيرة.
فرض أحمد مكى نفسه على الساحة الفنية كنموذج ناصع للمثقف الشعبي، إذا جاز القول، وعرف كيف يستمتع بحدائق الإبداع الذى يمتلكها، ومن ثم أجاد إمتاع المشاهد باقتدار، فإن تحدثنا عن الحضور الطاغى للكبير أو سى جونى أو حزلقوم أو غيرها، من شخوص جسدها أحمد مكى فى وجدان الجمهور يجب الالتفات إلى أمرين أولهما موهبته من ناحية، وتعبيرات ملامحه من ناحية أخرى، علاوة على لغة الجسد التى يتمتع بها ممزوجة بإفيهات ارتجالية غير مصطنعة خطفت قلب المشاهد، فأداؤه ينم عن ثقافة عريضة وطاقة إبداعية لكنوز خفية، حيث استطاع أن يبهر المشاهد بامتلاكه الجديد والجديد فى كل مشاهد قدمها أو سيقدمها وكأنه يكشف لجمهوره عمق معرفته بخبايا النفس البشرية فى حالاتها المتباينة ومن ثم يسرت له هذه المعرفة الشعبية لخبايا الشخصية المصرية التعبير الرائع عن تقلبات النفس فى حالات البهجة والسعادة، فمن خلال متابعة ردود أفعال المشاهدين حول برامج شهر رمضان، نجد احتلال مسلسل الكبير أوى غالبية عظمى من جموع المشاهدين، وإن كان المسلسل قد صنع الترند الشعبى فى الشارع المصرى حيث تخترق أذنيك على المقاهى مثلا إفيهات سى جونى ونكات مربوحة، استطاع مكى أن يخلق جوا فنيا دون حواجز متباينة بين المشاهد وشخصية الكبير أوى، من خلال نحت الشخصية الشعبية بالجلباب البلدى والشارب الكثيف المبروم وغطاء الرأس فى وجدان المشاهد فضلا عن نبرات صوته الحية المميزة، وكأنه يرسم صورته بالشحم واللحم فى قلوب مشاهدى التليفزيون مقارنة ببرامج ومسلسلات استخدمت تقنيات بصرية غالية الثمن ولكنها لم تأثر قلوب الجمهور، فالأداء المذهل لأحمد مكى لا يمكن أن يصل لما وصل إليه لولا الاستجابة الفورية من الجمهور بمعنى أن إفيهاته وصيحاته جعلته يتخذ مكانا قصيا فى نفوس المشاهدين، هذه هى العلاقة الجدلية التى تغذيها حرارة التواصل بين صاحب لغة الجسد الفنية وبين الجمهور الذى أنعمت عليه الشاشة بمتابعة كوميديا نظيفة، ذلك لأن الأعوام الماضية شهدت ذبولا فى وردة الكوميديا بعد أن جفت بساتينها مقابل برامج القسوة والعنف المنظم فجنحت الكوميديا حتى وإن طل علينا من الشاشة من يحاول إضحاكنا أو الضحك بنا فضلا عن الإفيهات الغليظة المفتعلة التى لا تستطيع أن ترسم البهجة على وجوه المشاهدين فلا يجد المشاهد لذة كبرى فى متابعتها ومن ثم لا تجد ردود أفعال بالإيجاب أو الرضى الفنى والشبع الإبداعى ومن هنا تأتى الالتفاتة نحو إحياء القيم الجمالية للكوميديا النظيفة وكل رمضان وانتم مبسوطين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة