رغم كل الصور الذهنية المشوشة فى عقول من يتابع الشأن العام، حول مشروع توشكى، وما ذهبنا إليه عبر عدة عقود مضت، حتى أن الجميع ظن بأنه مشروع بلا هوية، ومشروع له سمعة ليست بالأفضل على الإطلاق، إلا أننا جميعا اليوم نشاهد تطورا مختلفا تماما، يتناسب مع فلسفة مصر الجديدة، وهى مصر المؤمنة بأن التغيير ممكن متى توفرت الإرادة الحقيقية والمتابعة الجيدة لما يتم التوجيه به، و حينما تتوفر عزائم الرجال المخلصين والقادرين على تحقيق الأهداف المطلوبة بأقل تكلفة وبأسرع وقت ممكن.
"مصر اللى فى توشكى"، هى مصر الجديدة التى تضع الخطط والبرامج قبل الأزمات نفسها، فكما يقول القائل إن مصر وجدت أولا وبعدها بدأ التاريخ، فمصر اليوم وضعت الحلول قبل أن تبدأ الأزمات نفسها، وهى أزمات غير تقليدية على الاطلاق، فالعالم كله بلا استثناء لم يكن يتوقع يوما ما حدث فى كورونا وتوابعها، وكذلك لم يتوقع العالم بأن تحدث حرب تقليدية تسيطر على مجريات الأمور ومستقبل دول عظمى، وهو ما حدث بين روسيا و أوكرانيا، وجاءت توابعه على مستقبل العالم ككل، وبالتالى فمصر لم تبدأ التفكير فى القمح والتوسع فيه، لأنه سيكون عائقا بسبب تلك الحرب، أو أنه الأكثر فى فواتير الاستيراد، بل جاء التفكير فيه ضمن أدوات التفكير الوطنية فى كافة الملفات التى تمثل تحديات مسكوت عنها منذ عقود.
ولذلك لم يكن بأى حال من الأحوال وفق المسارات التقليدية أن يعود لمشروع توشكى روحه مرة أخرى، حتى أن زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة للمشروع، جعلت العقول تسأل مرة أخرى: "هو فعلا لسة توشكى موجودة"، إلا أن الرئيس السيسى كانت له كلمته، وهى أن السير فى الطريق والمتابعة للتفاصيل، سيدفعنا دفعا لنتائج وأهداف لم يكن مقدرا لها أن تحدث، ولذلك فإن تحرك مصر نحو ملف الأمن الغذائى والقمح لم يكن مرتبطا بالأزمة الروسية الأوكرانية، بل هو مسار كبير بدأ منذ عدة سنوات مع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الحكم.
تحرك مصر نحو ذلك المسار هو الأمر الذى ساعدنا اليوم فى التخفيف من توابع الأزمة الروسية الأوكرانية، وهما دولتان تمثلان لنا جهتي استيراد للقمح تصل لنسبة ما بين 70 % إلى 80 % من جملة ما نستورده من القمح عموما، ولذلك جاءت توابع الحرب الروسية الأوكرانية على قطاع الحبوب والقمح من أكثر التوابع تأثيرا فى مصر، لولا أن الأقدار جعلت الأزمة تحدث فى وقت الحصاد تقريبا، وبعد أن كانت مصر قد قررت قبل عدة شهور أن تزرع آلاف الأفدنة الجديدة، بل و تجعل انتاجية الفدان نفسها متضاعفة حتى وصلت لـ 19 أردب و 22 أردب وأكثر للفدان، بعد أن كان الفدان ينتج ما يقرب من 10 أفدنة قبل ذلك.