من أين تتشكل الشخصية الأسطورية للجغرافى الكبير جمال حمدان، هل من كتبه وأبحاثه المهمة الفارقة، أم من شخصه الهادئ كما تكشف صوره، أم من حزنه الشفيف الذى وصل إلينا بعد كل هذه السنوات، أم من النهاية المؤلمة التى جعلتنا نشعر جميعا بالذنب؟
أعتقد أن كل ما سبق يكشف لنا عن دراما منبعها الصدق لرجل أخلص لقضيته، رجل لم ينقصه الذكاء أبدًا، فقد كان يعرف مكانة مصر ودورها فى قلب العالم، وهو يعرف ذلك عن علم لا مقولات جوفاء ولا شوفونية متحكمة، لقد وقف على الكرة الأرضية ودرس خطوط عرضها وطولها ورأى طقسها وتضاريسها، وربط كل ذلك بالتاريخ والقدرة على المقاومة والرغبة العارمة فى صنع الحضارة، فأيقن أن لمصر شخصية خاصة تليق بها.
كما أن جمال حمدان كان رجلا حاسما فى أمره ورأيه، واضحا فى معرفة عدوه، لذا صاغ كتبا كاشفة لأفكار الصهاينة ورغبتهم فى الاستيلاء على أرضنا ومقدراتنا، فكشفهم لنا بالعلم أيضا، وقدم لنا بحث "اليهود أنثروبولوجيا" ذكر فيه أن اليهود المعاصرين ليسوا أحفاد العبرانيين الذين خرجوا من فلسطين.
إنه جمال حمدان المولود فى 4 فبراير 1928، بقرية تابعة لمحافظة القليوبية، والذى حصل على الشهادة الابتدائية بمدرسة شبرا 1939، وحفظ القرآن الكريم على يد والده الأزهرى، ثم تخرج من كلية الآداب قسم الجغرافيا بجامعة القاهرة 1948، وسافر بعدها فى منحة إلى بريطانيا، وحصل على الدكتوراه فى فلسفة الجغرافيا من جامعة ريدنج 1953، وقدم نحو 29 كتابا وتعد شخصية مصر أشهر مؤلفاته.
وقد حصل جمال حمدان على العديد من الجوائز منها التشجيعية فى العلوم الاجتماعية 1959، والتقديرية فى العلوم الاجتماعية 1986، وجائزة التقدم العلمى بالكويت 1986.
وبالطبع لا يمكن لنا حصر كتب جمال حمدان ولا أفكاره هنا، لكن من أهم كتبه (بترول العرب، وقناة السويس نبض مصر، والعالم الإسلامى المعاصر، و6 أكتوبر فى الاستراتيجية العالمية) وتوفى جمال حمدان فى 17 إبريل 1993، داخل شقته نتيجة تسرب فى الغاز، فى حادث مأساوى لما له من أثر سيء على العلم والقيمة.
