الإمام محمد عبده
أحد رموز التجديد في الفقه الإسلامي، ومن دعاة النهضة والإصلاح فى العالم العربى والإسلامي، وقد حاول التوفيق بين الدين والعلم الحديث، وبين الحضارة الأوروبية والقيم الإسلامية، فمن رأيه أن الإسلام يهتم اهتماماً كبيراً بالعقل باعتباره وسيله لكشف الحقيقة، هو الإمام الكبير محمد عبده، والذى نستعرض سيرته عبر سلسلة أيقونات مضيئة فى رمضانك تفاعلى على "اليوم السابع".
ولد محمد عبده بن حسن خير الله في عام 1845، بمحلة نصربمحافظة البحيرة في سنة 1845م، بدأ تعلم القراءة والكتابة على يد والده، ليلتحق بعد ذلك بكتاب القرية من أجل حفظ القرآن الكريم والذى اتمه كاملا في عامين فقط، ولما بلغ سن الخامسة عشر من عمره تم ألحقه والده بالمعهد الدينى في طنطا، ولكنه بعد فترة صغيرة أراد أن يعود إلى قريته ليعمل في الفلاحة مع أسرته نظرًا لنفوره من أسلوب وطريقة تدريس العلوم الدينية والعربية في المعهد آنذاك، وهذا ما رفضه والده وأصر على عودته للمعهد مرة أخرى، لإتمام تعليمه.
بعد إتمام الشيخ محمد عبده تعاليمه في المعهد الدينى وجه قبلته إلى القاهرة في عام 1866م ليلتحق بالأزهر الشريف، وهناك تلقى العلم على يد العديد من علماء الجامع الأزهر كان أبرزهم الشيخ حسن الطويل والذي تأثر به كثيرًا.
نجح الأمام في الحصول على شهادة العالمية من الأزهر، في عام 1877م، ليعين مدرساً بمدرسة دار العلوم، حيث قام بتدريس علم التاريخ بأسلوب جديد بعيدًا عن السرد الجاف، ونظرًا لطموحه الكبير عمل بجانب التدريس صحفيًا في جريدة الوقائع المصرية إلى أن شغل منصب رئيس تحريرها، ولكن كان هناك عقبات في حياة الأمام عرقلت مسيرته العلمية لدرجة أنه تعرض للفصل من وظيفته في عام 1882م، بعد أن أثارت أفكاره حقد المحافظين عليه وخاصة بعد أن ظهر ميله إلى أحمد عرابي وثورته، حيث مثل الإمام محمد عبده الاتجاه الفكري المعتدل في صفوف الثورة العرابية.
ليتخذ الإمام قرار بعد ذلك بالسفر إلى سوريا ليعمل مدرسًا هناك لفترة، ثم يسافر بعد ذلك إلى فرنسا ليلتقي بأستاذة جمال الدين الأفغاني، الذى سبق وأن التقى معه في القاهرة قبل سفره لباريس، حيث كان الأفغاني أحد المؤثرين في فكر الأمام محمد عبده، وكان الأخير يحرص على حضور دروسه، ولازم مجالسه التي كانت مجالس حكمة وعلم، واستطاع الأفغاني أن يزرع في الشيخ محمد عبده الفكر الإصلاحي، والتجرد الكامل للدفاع عن الإسلام، والتسلح الفكري والفلسفي لرد هجمات المستشرقين والمغرضين، وفى باريس اشتركا معاً في إصدار مجلة “العروة الوثقى” في سنة 1888م، وكان هدف هذه المجلة هو الجهاد ضد الاستعمار والدفاع عن البلاد الإسلامية وبعث الروح الوطنية فيها، ولكنه لم يستمر في باريس طويلاً حيث عاد على بيروت ليعمل مدرسًا.
ظل الإمام محمد عبده في الخارج حتى أصدر الخديوي توفيق قرار بالعفو عنه، ليعين قاضيًا بالمحاكم الأهلية لإبعاده عن التدريس، فعين قاضياً بمحكمة بنها فى 1889م، ثم بمحكمة الزقازيق في نفس العام، ثم قاضياً بمحكمة عابدين، ليشغل بعد ذلك مستشاراً بمحكمة الاستئناف في عام 1891م.
وعقب رحيل الخديوي توفيق وخلفه ابنه عباس الثاني، عمل على تقريب الإمام من مجلسه، وأخذ يستشيره في العديد من الأمور، ليسند له بعد ذلك في 1899م، منصب مفتى الديار المصرية، فوضع الأساس لإصلاح المحاكم الشرعية، وإصلاح الأزهر، ظل الإمام محمد عبده ينادى بأفكاره الإصلاحية المعتدلة ودعا التعليم واستخدام العقل والاستفادة من التقدم العلمي، ونبذ البدع والخرافات والأساطير، وأصبح أيقونة من أيقونات الفكر الإصلاحي الديني وأستاذ جليل لجيل من العلماء، حتى رحل عن عالمنا في 11 يوليو 1905م.