أحد رواد فن النحت فى العالم، صاحب أعمال فريدة جسدت حياة الريف والقرية المصرية التى تأثر بها، وتمثل صورا للحياة اليومية التى أجادها إبداعا وعبر عنها بشكل فنى رائع، حيث كانت نشأته فى القرى جعلته واحدا ممن جسدوا الحالة المصرية ببراعة، هو الفنان التشكيلى الكبير محمود مختار، والذى نستعرض سيرته عبر سلسلة أيقونات مضيئة فى رمضانك تفاعلى على "اليوم السابع".
محمود مختار
ولد محمود مختار فى 10 مايو 1891م، بإحدى القرى القريبة من المنصورة قضى طفولته فى البيت يستمع إلى قصة أجداده، ويقضى وعلى شاطئ الترعة التى جعلته يصنع تماثيله من طمى الأرض، ثم يحمل التماثيل إلى الفرن فى البيت فيجففها.
وعندما أسس الأمير يوسف كمال مدرسة الفنون الجميلة بدرب الجماميز فى 13 مايو 1908م، كان محمود مختار فى السابعة عشرة من عمره، فذهب مختار وقابل ناظر المدرسة، ووافق على قبوله ضمن طلابها، ثم سافر إلى باريس عام 1911م، وتتلمذ على يدى "كوتان" ثم على يد النحات الفرنسى"انطونان مرسييه"، فعاد بعد فترة قصيرة إلى مصر ثم سافر مرة أخرى إلى باريس، ولما اشتعلت الحرب العالمية الأولى "1914-1918" اضطر إلى العمل فى مصانع الذخيرة لعشر ساعات ليلاً فى إعداد القنابل وحمل الذخائر.
وخلال إقامته فى باريس كان محمود مختار أحد أبناء مصر الذين ينهلون من المعرفة ويصنعون لمصر بعض أمجادها، التقى بملامح عصره الوطنية والمشاعر الرومانسية وروح البطولة فأبدع تماثيل أبطال العرب "خالد الوليد وعمر بن العاص".
ونظرًا لموهبته المتميزة تم اختيار الفنان محمود مختار مديراً لمتحف "جريفان"، خلفاً لأستاذه لابلانى الذى قال عنه :" إن مختار سيكون فخرًا لمصر بل فخرًا للعالم"، وفى إحدى الاحتفالات فى باريس ألبسوه تاج الفراعنة على رأسه وطافوا به شوارع باريس مكتوبًا على التاج "رمسيس الثاني".
كان للفنان الراحل مهام فنية كلف بها وإسهامات عامة، حيث إنه دعا وهو فى فرنسا بعض المفكرين إلى إقامة تمثال نهضة مصر فى ميادين القاهرة، وكانت فكرة التمثال تعبيرًا عن اليقظة التى بدأت فى بلاده .. الفلاحة المصرية أم الأجيال التى أقامت حضارة مصر وأبو الهول رمز الحضارة المصرية القديمة.
ونظم الفنان محمود مختار اكتتابا شعبيا ساهمت فيه الحكومة لإقامة التمثال، وتم تشكيل لجنة برئاسة حسين رشدى باشا الذى كان رئيسًا للوزراء فى عدة وزارات وعضوية العديد من السياسيون، وكان الأهالى قد جمعوا 6500 جنيه، وتبرعت السكك الحديدية بنقل الأحجار من أسوان إلى القاهرة، وخصصت وزارة عبد الخالق ثروت الأولى مبلغ ثلاثة آلاف جنيه، ولكن تعطل العمل، إلى أن جاء سعد زغلول رئيسًا للوزارة الشعبية، ودافع عن التمثال، وتعثر المشروع ثانية إلى أن قرر البرلمان إجراء تحقيق عن سبب التعثر، واعتمد البرلمان المبالغ اللازمة لإتمام التمثال وتعاقدت الحكومة على إنجازه فى 13 شهرًا، وأزاح الملك فؤاد الستار عن تمثال نهضة مصر فى 20 مايو 1928م،
وعبر مسيرة فنية طويلة ساهم الفنان الكبير أيضًا فى تنظيم الحركة الفنية وأقام "جماعة الخيال" وشارك فى إنشاء مدرسة الفنون الجميلة العليا، وأقام تمثالى سعد زغلول فى الفترة بين سنة "1930- 1932 ".
وبعد حياة حافلة بالعمل و الإنجازات رحل عن عالمنا فى 27 مارس 1934م، وتنازلت أسرته بعد وفاته عن أعماله الفنية للدولة بشرط إقامة متحف لها، وبالفعل أقامت الدولة متحفاً خاصاً لأعماله بحديقة الحرية بالجزيرة افتتح سنة 1962، الذى يعد قبلة لدارسى الفنون فى مصر وشاهد على فترة تاريخية وسياسية هامة.