منذ البداية نقول الحرب فى أوكرانيا هى حرب صور، ومن يفوز فى صراع الصور والفيديوهات هو الذى يحقق النصر، ومع كل القصف والمواجهات بالصواريخ والأسلحة، تبقى الدعاية هى العنصر الحاسم فى هذا الصراع، وهذه الحرب التى تقترب من الشهرين، كتبت إن «الإعلام ومنصات النشر ومواقع التواصل، هى الميدان الأصلى للحرب فى أوكرانيا، وقودها الصور والفيديوهات الحقيقية والمزيفة ضمن معركة الدعاية»، نقول هذا بمناسبة مذبحة بوتشا، المدينة الأوكرانية التى غادرتها القوات الروسية ونشرت أوكرانيا والغرب صورا وفيديوهات عن مذبحة ومقابر جماعية جرت فى المدينة، وأنه تم العثور على عشرات الجثث بملابس مدنية.
أوكرانيا اتهمت روسيا وحسب صحيفة «أوكراينسكا برافدا» بارتكاب «مجزرة» غداة العثور على عشرات الجثث فى مدينة بوتشا، الواقعة شمال غربى كييف، بعد انسحاب القوات الروسية، وحسب تقارير إعلامية أوكرانية تم العثور على نحو 340 جثة، لكن مصادر أخرى قدرتهم بعدد أكبر من هذا يتجاوز الـ400، دول أوروبية ومنها فرنسا وبريطانيا أعلنت عن عقوبات إضافية، ونقلت «رويترز» عن مسؤول دفاعى أمريكى قوله «نحن نرى الصور نفسها التى ترونها، ليس لدينا أى سبب على الإطلاق لدحض المزاعم الأوكرانية حول هذه الفظائع.. لا يمكن للبنتاجون أن يؤكد ذلك بشكل مستقل».
وزارة الدفاع الروسية ردت على الاتهامات بالتأكيد على أن الصور الفوتوغرافية ومواد الفيديو «مفبركة» التى نشرها نظام كييف، استفزاز آخر، وأن الجيش الروسى غادر «بوتشا» يوم 30 مارس الماضى، غداة المحادثات الروسية الأوكرانية، وأن رئيس بلدية «بوتشا»، أناتولى فيدوروك، أكد فى رسالة بالفيديو فى 31 مارس عدم وجود جنود روس فى المدينة، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى حوادث إطلاق نار على سكان محليين فى الشوارع وأياديهم مقيدة، كما ظهر ذلك فى مقطع الفيديو، بينما اعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن المغزى من جريمة نظام كييف فى مدينة بوتشا الأوكرانية يتمثل فى «تعطيل مفاوضات السلام وتصعيد الصراع»، فيما أكدت وزارة الدفاع الروسية فى هذا السياق أن كل ما يسمى بالأدلة على الجرائم فى «بوتشا» لم يظهر إلا فى اليوم الرابع، عندما وصل ضباط من إدارة أمن الدولة وممثلو التليفزيون الأوكرانى إلى المدينة.
واتهمت وسائل إعلام روسية «كتيبة آزوف» الأوكرانية القومية المتشددة بالوقوف وراء عمليات القتل، وقال الناطق باسم الكرملين دميترى بيسكوف: إن خبراء وزارة الدفاع عثروا على مؤشرات تظهر «تزوير مقاطع فيديو وأنباء كاذبة»، واعتبر الروس أن الهدف هو تعطيل محادثات السلام، بعد خروج القوات الروسية.
وعلى الجانب الآخر، قالت صحيفة «واشنطن بوست»، إن مسؤولين بإدارة الرئيس جو بايدن، ناقشوا إمكانية مضاعفة العقوبات على روسيا، غداة مجزرة بوتشا، وقال الاتحاد الأوروبى إنه سيعمل «على سبيل الاستعجال» على فرض عقوبات إضافية على موسكو، وهو ما أكده الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والذى طالب بمحاسبة الجنود الروس، متحدثا عن «مؤشرات واضحة جدا ثبت تقريبا أن الجيش الروسى كان موجودا فى هذه المدينة الصغيرة حيث قتل مدنيون».واعتبر رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز، أن الجريمة تصل إلى حد «إبادة جماعية»، ودعا رئيس الوزراء البولندى ماتيوش مورافيتسكى، إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية بشأن «الإبادة الجماعية» التى ارتكبها الجيش الروسى، بينما قالت السفارة الأمريكية فى كييف، إن العالم بحاجة إلى معرفة ما حدث فى بوتشا ومناطق أخرى، وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، عن صدمته ودعا إلى تحقيق مستقل يتيح محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة البشعة.
وتتمسك روسيا باتهام من تصفهم بالنازيين الجدد بارتكاب المجازر، بهدف دفع الغرب والناتو إلى الدخول فى الحرب، ويظل الجدال قائما، والحرب بالصور على أشدها، فيما يبدو أن من يفوز فى حرب الصور، يكسب الحرب، بصرف النظر عن الحقيقة.