لقطات مبهرة، يجتمع فيها الشقيانين في الأرض، يروون قصصهم البطولية بشموخ وفخر في أحضان الطبيعة، يحتمون ببعضهم البعض، فلاحات يزهرن في الزراعات متخذات وضع الانحناء، يسعون خلف رزقهن ولقمة عيشهن، يجسدن الإصرار والعزيمة بكفاحهن، ألفوا المشقة، فيعملن بألسنة عطشى وأجساد أنهكها الزمن، تظلل ابتسامتهن المتوهجة ملامح الشقاء التي ارتسمت على ملامحهن، يروين بعرقهن الطاهر الأرض التي ينتمون إليها وتنتمي إليهم، يحملن شقارف وفؤوس بأياد حفرتها الشقوق، ينثرن بذور الخير ويحصدن ثمارها بابتسامة أمل ونفس راضية، وبجانبهن عمال اليومية يزرعون بذور العطاء، تفيض نفوسهم بالخير والصفاء، وقد كست قسمات وجوههم ملامح الشقاء، بسطاء يشعرونك بمعنى السعادة والحياة، فقد وهبوا حياتهم للأرض، متحملين مشقة العمل ومخاطره، حتى يستطيعوا تحصيل أجرهم اليومي وهو 50 جنيها.. إنهم المكافحون اللذين اعتادوا على التضحية والنضال منذ نعومة أظافرهم، يقطعوا المسافات، يرتحلون من قرية لأخرى؛ في سبيل توفير حياة كريمة لأطفالهن.
وفي هذا الصدد، رصدت عدسة "اليوم السابع"، كفاح الفلاحين دون كلل أو ملل، وكأنهم خلية نحل تسابق الزمن، يتقاسمون العمل فيما بينهم ليحصدون براحة أيديهم محصول البنجر من إحدى الأراضي الزراعية بقرية المعصرة التابعة لمدينة بلقاس بمحافظة الدقهلية، والسعادة تغمرهم غير مبالين ما يعترضهم من مشقة وعناء، ففي الوقت الذي تقوم فيه السيدات بتقشير وتنظيف البنجر، يقوم الرجال بتعبئة المحصول على الجرارات الزراعية ليتم نقلها إلى مصانع السكر.
تظل الأرض بالنسبة للفلاحين شريان الحياة ومصدر رزقهم الوحيد الذي ينفقون من خلاله على أبنائهم، فيعتمدون طوال العام على زراعة محاصيل مختلفة كالأرز والقطن والبنجر والقمح والفول والبسلة؛ ليوفروا قوت يومهم وحياة كريمة لأبنائهم.. فبصوت منهك تحدث السيد رزق لـ"اليوم السابع" قائلا: "أنا شغال في الفلاحة من صغري، اتولدت لقيت نفسي في الأرض.. الأرض بالنسبة لينا حياتنا وروحنا.. رزقنا ورزق عيالنا، ومنقدرش نستغنى عنها.. بنصلي الفجر كل يوم وننزل نجري على أكل عيشنا، ونراعي الأرض ونهتم بيها عشان تدينا من خيرها وتعيشنا.. والفلاح لازم يكافح على آخر جهده".
وعن حصاد محصول البنجر، قال إن زراعة البنجر تعد من الزراعات الشتوية المميزة بانتاجيتها المرتفعة، مضيفا أنها تحتاج للكثير من الأسمدة الطبيعية والصناعية لزيادة إنتاجيتها، بالإضافة إلى المبيدات الضرورية لمقاومة الآفات والندوات التي قد تصيب المحصول كالطفيليات وما تسببه برودة الطقس من ضرر للمحصول.
وتابع أن زراعة البنجر "العروة الأولى" تبدأ من نهاية شهر أغسطس وحتى منتصف شهر سبتمبر، وحصاده يبدأ من نهاية شهر فبراير وحتى نهاية شهر مارس، و"العروة الثانية" تبدأ زراعتها من نهاية شهر سبتمبر وحتى بداية شهر نوفمبر وحصاده يبدأ من شهر أبريل، وبالنسبة للزراعة المتأخرة لمحصول البنجر "العروة الثالثة" فتبدأ من بداية شهر نوفمبر لغاية شهر ديسمبر، ويبدأ حصاده من نهاية شهر مايو، مشيرا إلى أن مرحلة "تقليع" البنجر في فدان الأرض الواحد تحتاج لـ35 عامل، ومرحلة تنظيف وتقشير البنجر تلزم وجود 12 عامل، بينما تحميل البنجر يحتاج لما يقرب من 12 عامل.
وأشار إلى أن حصاد محصول البنجر يمر بعدة مراحل صعبة وشاقة، يتقاسمون خلالها العمل فيما بينهم حتى ينتهون من حصاده وتوصيله لمصنع السكر، موضحا أن العمال الرجال يقومون بـ"بتقليع" البنجر من الأرض يدويا أو باستخدام أداة حديدية تسمى "العكامة"، والعاملات من النساء يقمن بتقشير وتنظيف البنجر من أوراقه الخضراء باستخدام الشقرف أو سكين حاد، وعدد من الرجال يتخصصون في تعبئة البنجر على الجرارات الزراعية التي تقوم بدورها بنقل محصول البنجر لساحة واسعة، تحمل منها عربات النقل المحصول وتنقله لمصانع السكر.
وقال إن متوسط إنتاجية فدان الأرض من البنجر تتراوح ما بين 15 إلى 20 طن، ويتم تحديد سعر الطن وفقا لوقت الحصاد ونسبة ما يحتويه البنجر من سكر، والتي يحددها المصنع وترفع من سعر طن المحصول، مشيرا إلى أن سعر محصول العروة الأولى أعلى من العروة الثانية والثالثة لأسبقية دخوله للمصنع، أما العروة الثانية فتعد الأكثر إنتاجية، مؤكدا على أن العمل بالأرض منظومة متكاملة يعيش من دخلها العديد من الأطراف، أولهم صاحب الأرض والفلاح وعمال اليومية والمصانع التي تستفيد من البنجر في تحويله لسكر.
ومع آذان الفجر، تبدأ "زينب" وزميلاتها رحلة الجهاد والشقاء يوميا في الحقول والأراضي الزراعية بحثا عن لقمة العيش، يخرجن من منازلهن البسيطة متشحات بملابسهن الثقيلة لتحميهن من صفعات البرد القارس، يحملن الشقرف والفأس وبعض اللقيمات، ينتظرن سيارة المقاول لتنقلهن لمكان عملهن في رحلة طويلة قد تمتد لأكثر من ساعتين، ليبدأن عملهن في زراعة المحاصيل أو جمعها، مرتحلات من أرض لأخرى، حتى يستطيعوا تحصيل أجرهن اليومي وهو 50 جنيه.
بصوت خافت وخجول تحدثت زينب مسعد صاحبة الـ30 عاما، وسط الحقل وقد استقرت بقايا الطين على يديها وهي تنظف البنجر بالشقرف قائلة: "أنا بنزل كل يوم اشتغل في الأرض من الساعة خمسة الصبح وارجع بعد الضهر وأوقات برجع العصر لحد ما أخلص كل شغلي، أزرع واجمع واعزق وانضف وارش وأنقي رز.. أي حاجة في الأرض بعملها، أعمل إيه؟! أنا اتعودت على الشقى خلاص.. عندي تلات عيال، بنت مخطوبة عندها 17 سنة، وولد عنده 15 سنة، وبنت عندها عشر سنين ولازم أشقى مع جوزي عشانهم.. أمي نزلتني اشقى في الأراضي من وانا لسة عيلة صغيرة، وهما اللي علموني ازاي ازرع واعمل كل حاجة في الأرض، مكنش فيه غيري، أنا بنت وحيدة وكان لازم انزل وأساعد واشتغل معاهم".
وبينما هي منشغلة في تنظيف البنجر، تسابق الزمن حتى تنهي عملها لتعود إلى صغارها حبيبة ومسعد، غلب على سعدة محمد صاحبة الـ24 عاما الحديث وقالت: "من يومي وأنا كدة مع إني متعلمة وواخدة دبلوم تجارة، بس هي دي الحاجة اللي قدامنا لإن أهلنا مش بيشغلونا برة وبينزلونا الأرض معاهم من صغرنا.. أنا بقوم من الفجر أنزل الأرض الساعة خمسة، في الأيام العادية بنشتغل أربع ساعات متواصلة وفي رمضان واحنا صايمين بنشتغل تلات ساعات، وبعدها نرجع البيت نريح شوية، وننزل تاني العصر نسرح ونكمل شغلنا في الأرض لأكتر من تلات ساعات.. لازم نجاهد ونشتغل ونكافح من عرق جبينا، ومش عيب إن الواحدة تشتغل وتساعد جوزها، العيب إني اقعد وأمد إيدي للناس".
وأضافت: "كل واحد هنا بيقوم بدور محدد، الستات تقشر وتنضف البنجر، والرجالة تقلعه وتحمله على المقطورة لإنه شغل صعب جدا.. بنسلي وقتنا بالكلام والضحك عشان اليوم يعدي، كلنا هنا واحد وبنقسم نفسنا على الشغل لحد ما نخلص يومنا ونروح بيتنا لعيالنا.. وبطلب من ربنا الستر والصحة عشان أقدر أكمل شقى وكفاح واربي عيالي بالحلال واعلمهم علام عالي".
البنجر
تجهيز-محصول-البنجر-بعد-جمعه-لنقله-إلى-مصانع-السكر
تحميل-محصول-البنجر-على-الجرارات-الزراعية-لنقله-إلى-المصانع
تقشير-وتنظيف-البنجر
حصاد-محصول-البنجر-في-حقول-الدقهلية
شقاء-السيدات-وعملهن-بجانب-الرجال-في-الأراضي-الزراعية
طفل-يساعد-والدته-في-تقشير-وتنظيف-البنجر
كفاح-الريفيات-في-تقشير-وتنظيف-البنجر
كفاح-الفلاح
كفاح-الفلاحات
كفاح-الفلاحين-في-الأرض
محصول-البنجر-بعد-جمعه-من-الأرض
نقل-وتحميل-محصول-البنجر-على-الجرارات-الزراعية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة