شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد في فعاليات المؤتمر الدولي الرابع لكلية الآداب جامعة دمنهور، والدي يعقد بعنوان "ترجمة معاني القرآن العظيم دراسات منهجية"؛ بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية.
بدأ الأمين العام كلمته التي ألقاها في الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر بالتأكيد على حاجة الإنسانية كلّها إلى هذا المؤتمر الذي يضمّ العديد من المحاور والقضايا المهمّة التي ترتبط بالقرآن الكريم – كلام ربّنا - لفظًا ومعنًى، وهو ما يؤكد على أهميّة العناية بها؛ خصوصًا وأنها تحتاج إلى جهودٍ حثيثةٍ؛ لبيان معانيه وتنزيل أحكامه الشرعية على واقعنا بكلّ معطياته المعاصرة تنزيلًا يليق بقدسيّة هذه الأحكام، ويتوافق مع عظمة هذا النصّ المحكم وجلاله وكماله وتنزيهه.
كما ثمّن عيّاد رسالة المؤتمر التي تدعو إلى أهميّة التّرجمة لمعاني القرآن الكريم، وضرورة الاستفادة منها، واستثمارها في عرض الإسلام بعقائده وشرائعه وأخلاقه؛ باعتبار أنّ ذلك يساعد على تبليغ الدعوة إلى العالم أجمع، وفي الوقت ذاته يكشف عن فهمٍ سليمٍ يؤدّي إلى دعم التماسك الاجتماعيّ، والمشاركة في عملية العمران، والإسهام في بناء الحضارة الإنسانيّة المعاصرة، بما يؤكّد عظمة هذا الكتاب، وصلاحيته لكلّ زمانٍ ومكانٍ بما جاء به من أحكامٍ، وبما دعا إليه من أخلاقٍ وسلوكٍ، وكذلك رؤية المؤتمر التي تتمثّل في العمل على الالتزام بالمنهجيّة العلميّة والفهم السليم عند ترجمة النّصّ القرآنيّ باعتباره نصًّا مقدسًا محكمًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أشار الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية العام إلى أهميّة ترجمة معاني القرآن الكريم، وما يمكن أن تسهم به في توضيح صورة الإسلام، وعرضها بما هي عليه، خصوصًا وأنّ القرآن الكريم كان ولايزال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها موردًا للباحثين، ومسلكًا للطالبين، وزادًا للدارسين، مضيفًا أنّ ترجمة معاني القرآن الكريم تعدّ من أشقّ المحاولات وأصعبها التي تمّت في مجال التّرجمة على الإطلاق؛ وذلك لأنّ نقل معنى الآيات القدسيّة المحكمة إلى لغةٍ أخرى غير العربيّة ليس بالأمر السّهل، إلى جانب عجز لغة التّرجمة عن نقل التّركيب البلاغيّ للآيات وما تحمله من معانٍ وإشاراتٍ ومدلولاتٍ لا تظهرها إلا لغة القرآن المجيد التي نزل بها؛ وذلك دفعًا للأغاليط، ومنعًا للافتراءات، ودحضًا للأكاذيب؛ خصوصًا وأنّ ما يعيشه العالم من الأحداث المضطربة والمتلاطمة إلى حدٍّ مخيفٍ يهدّد الأمن والسّلم العالميّين سببه الفهم السقيم للدّين ومقاصده، وتأويل نصوصه تأويلاتٍ بعيدةً عن مرادها، وما ينشأ عن ذلك من التّصوّرات الوهميّة لأغراض الدّين ومقاصده، كلّ ذلك يشكّل النصيب الأكبر في هذه الأحداث، وما يستدرجه من عوامل الشّقاق والنّزاع وسوء التصرّف في المجالات المتعلّقة بحسن التعامل بين بني الإنسانيّة، في ضوء المراد الإلهيّ الذي من أجله خلق النّاس مختلفين لتتحقّق سنّة التّدافع من أجل الحفاظ على مقوّمات نهضة البشريّة في سائر المجالات.
أوضح الأمين العام أن هذا الخلل الذي فعل بالإنسانيّة ما فعل، كرّسه - مع الأسف الشديد - النظر الضيق لنصوص القرآن المقدسّة ولأعمال الفقهاء سلفًا وخلفًا، وقيام البعض بترجمتها ترجمةً بعيدةً عن قصد الشارع الحكيم، ويمكننا أن نلمس ذلك - دون عناءٍ - من خلال العديد من التّرجمات التي صدرت عن فئةٍ ليست بالقليلة من المستشرقين، ومن لفّ لفّهم ودار في فلكهم، فجاءت بعيدةً عن المقصد، خاليةً من الموضوعيّة، معبّرةً في كثيرٍ من الأحيان عن جهلٍ بالنصّ واللغة التي نزل بها وطبيعتها وخصائصها وتراكيبها، فمثلًا قام البهائيّون - قريبًا في هولندا - بإصدار ترجمةٍ جديدةٍ للقرآن الكريم باللّغة الهولنديّة الحديثة تخرج بالنّصوص القرآنيّة عن معانيها الدقيقة؛ إذ ابتعدت بالقرآن الكريم عن أسباب نزوله على سيّد البشر محمّدٍ - صلّى الله عليه وسلم - ممّا أثار غضب الجالية والمؤسّسات الإسلامية هناك.
وبين عياد أن الترجمات التي قام بها كثيرٌ من المستشرقين تعد من أسوء المحاولات التي تمّت في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم على الإطلاق، فقد كان هدفها الوحيد إيجاد حاجزٍ بين القرآن وبين من يريد فهم الإسلام، ومن أجل ذلك شوّهوا معاني القرآن ومسخوها، إذ جهلوا أو تجاهلوا أيسر قواعد اللغة، جاعلين نظام التراكيب ومعاني المفردات العربية دبر آذانهم ووراء ظهورهم، دون محاولةٍ منهم لفهم معاني القرآن على الإطلاق، ولم يعتمد أحدٌ منهم البحث العلميّ المنضبط للوصول إلى الحقيقة، وهناك مغالطاتٌ كثيرةٌ في ترجماتهم نتيجة الجهل باللغة العربية ونظامها، والجهل بالإسلام وحقيقته، واختلاف حقيقة اللّغات وقصورها عن استيعاب معاني القرآن العظيم، فضلًا عن تجاهل خصائص النّظم القرآنيّ المعجز.
كما أكد الأمين العام أن ترجمة معاني القرآن الكريم في هذا العصر على وجه الخصوص ترجمةً منضبطةً تعكس عظمة القرآن وجلالة مقاصده ضرورةً حياتيّةً، وفريضةً دينيّةً باعتبارها نافذةً مهمّةً جدًّا في تعريف الآخر بحقيقة الإسلام ومحاسنه، مضيفًا أنّ هذا يمنح الآخر فرصة التعرّف على كلام ربّه العزيز الحكيم، فينشرح صدره بقبوله والاستسلام له، والعمل بما جاء فيه، أو على الأقلّ ينصفه ويحترمه ويقدّره حقّ قدره، خصوصًا مع وجود مقالاتٍ تعطي خطابًا مفزعًا مقعّرًا نتيجة تلك القراءات الانتقائيّة للنصّ الدينيّ وتفسيرها بعيدًا عن سياق اللغة وأدواتها، ومن ثمّ تكون مخاطرة الترجمة خطيرةً؛ لأنّه إذا لم يراع فيها ضوابط التعامل مع النصّ القرآنيّ وخصائص نظمه المعجز، أدّى ذلك إلى إبعاد الناس عن المعاني العظيمة، والقيم السّامية التي يحملها القرآن الكريم، فضلًا عن تعميق المفاهيم المغلوطة حول الإسلام.
وختم عياد كلمته ببعض التوصيات المهمّة التي تكشف عن بعض الجوانب التي نحتاج إليها لإتمام هذه العمليّة وهي:
1- يجب أن تكون ترجمات القرآن الكريم صادرةً عن المؤسّسات الدينيّة الرسميّة التي تعنى بنشر الدين الإسلاميّ بعيدًا عن تحريف الغالين وتأويل المبطلين.
2- ضرورة العناية والاهتمام من قبل المؤسّسات الأكاديميّة والأقسام العلميّة بكلّ ما كتبه المستشرقون حول القرآن الكريم، وتفنيد مزاعمهم الباطلة حول القرآن بشكلٍ منهجيٍّ سليمٍ يتوافق والنصوص الدينيّة والقيم الانسانيّة المعاصرة.
3- ضرورة أن تلتزم الترجمات المتعدّدة للقرآن الكريم بعقيدة أهل السّنة والجماعة التي حدّدها المذهب الأشعريّ الذي تبنّاه الأزهر الشريف لوسطيّته في فهم الإسلام، ولكونه يعرض العقيدة الاسلامية صافيةً خاليةً من كلّ الشوائب والأفكار الهدّامة والمنحرفة.
4- أهميّة التعاون والتكاتف بين جميع المؤسّسات العلميّة والدينيّة وبذل الجهود الحثيثة والمتنوّعة من أجل إعداد ترجماتٍ صحيحةٍ للقرآن الكريم بكلّ لغات العالم، حتى يصل الإسلام بعقيدته الصافية لجميع النّاس في ربوع العالم.
5- ضرورة رصد التّرجمات الفرديّة للقرآن الكريم التي وقعت فيها أخطاءٌ جوهريّةٌ فادحةٌ؛ من أجل بيان أوجه الخطأ والعوار فيها لتحذير الناس منها؛ إسهامًا منّا في حراسة هذا الدّين الحنيف، وتحمّلًا للأمانة التي كلّفنا الله بها على الوجه المطلوب.
6- وأخيرًا، أوصي بضرورة تعدّد هذه المؤتمرات والفعاليّات التي تناقش القضايا المشتركة بين الشّرق والغرب بهدف تعزيز قيم السّلم والرّحمة، وترسيخ قيم التعايش والتسامح ونشر صحيح الدّين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة