موقف إنساني بامتياز، يضاف إلى سجل طويل من المواقف المشابهة، التي طالما تبناها النجم المصري محمد صلاح، عبر استضافة اللاعب المصري، مؤمن زكريا، لحضور نهائي كأس إنجلترا، بل وإشراكه في احتفالات فريقه بالفوز ويحمل معهم كأس البطولة، ويلتف حوله نجوم فريق ليفربول الإنجليزي، ليكون المشهد من أفضل المشاهد الإنسانية في تاريخ كرة القدم على الإطلاق، على اعتبار أنه يمثل دعما معنويا يبدو مهما للغاية، في مراحل العلاج الذى يتلقاه مؤمن، بينما يعكس في الوقت نفسه، جانبا إنسانيا، ربما لا يمكن تجاهله، فيما يتعلق بالرياضة بصفة عامة، وفى كرة القدم بوجه خاص، بعيدا عن المنافسات الشرسة.
الجانب الإنساني في الساحرة المستديرة، ربما توارى أمام أخلاقيات، لا تتعدى حاجز "البروتوكولات" التقليدية، على غرار دقائق الحداد التي يتم استهلال المباريات بها، أو التعبير عن تعاطف مع قضايا بعينها، سواء سياسية أو عنصرية، في حين أنها تطغى أثناء المباريات، عند إخراج أحد اللاعبين الكرة خارج الملعب، لعلاج لاعب في الفريق المنافس، وهو الأمر الذي يتوقف في الكثير من الأحيان على النتيجة والوقت المتبقي من المباراة، ناهيك عما إذا كان اللاعب المصاب، مصاب بالفعل، أم أنه يحاول إضاعة الوقت، لتقع تلك الأخلاقيات التي يتبناها الاتحاد الدولي للعبة، والذي يحمل شعار "اللعب النظيف"، في الكثير من الأحيان في فخ التسيس، أو ظروف المباريات، أو غيرها من الأمور التي تبدو في بعض الأحيان محلا للجدل والخلاف من حيث التقييم.
إلا أن الجانب الإنساني، وإن كان يحمل في طياته جانبا أخلاقيا، يبقى متفردا، في إطار ما يمكننا اعتباره "واجبا" على نجوم الرياضة، في ظل نظرة المجتمعات لهم، باعتبارهم مثلا وقدوة، خاصة للنشء والشباب، والذين يمثلون أكثر الفئات التفافا حول الألعاب الرياضية، وفى القلب منها كرة القدم، باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى في العالم، مما يضفي بعدا مهما، مازال يعاني من تجاهل كبير، يقوم في الأساس على دعم العديد من الثوابت الإنسانية، التي تتلاقى حولها الأديان والمجتمعات، وهو ما يساهم، ليس فقط في تدعيم تلك الجوانب في الأجيال الجديدة، وإنما أيضا في خلق أبعاد جديدة لمفهوم المنافسة الرياضية، والتي لا تتعارض مع كون هؤلاء اللاعبين بشر في النهاية، ولديهم من العواطف الإنسانية، ما يساهم في إثراء مجتمعاتهم وإظهار جوانب أخرى في حياة النجوم، بعيدا عن المستطيل الأخضر.
ربما لن أكون أول من يتحدث عن مواقف الفرعون المصري، انطلاقا من قريته، مرورا بكافة محافظات مصر، وحتى مدينة ليفربول في إنجلترا، وهي المواقف التي ساهمت بدون أدنى شك في تعزيز صورة العرب، بل ودحضت إلى حد كبير الرؤية المغلوطة لدى قطاع كبير من المجتمع، سواء في المدينة الإنجليزية، أو بريطانيا بصفة عامة، حول الدين الإسلامي، فيما يسمى بـ"الإسلاموفوبيا"، ناهيك عن اختلاف النظرة الأوروبية للشباب العربي، في إطار عملي، عبر تقديم نموذج ناجح تحول إلى أسطورة حقيقية بفضل مجهوده، بالإضافة إلى إبراز جانبا إنسانيا، يبدو غائبا بسبب ما تتناقله وسائل الإعلام، من تقارير عن الإرهاب والصراعات والحروب، في الشرق الأوسط، ربما صدرت صورة دموية عن أبناء تلك المنطقة.
مواقف النجم محمد صلاح ربما تفتح الباب أمام تساؤلات حول مفهوم "إنسانية" كرة القدم، ليكون أعم وأشمل من فكرة الأخلاقيات، عبر دعم الدور الذي يمكن لنجوم اللعبة القيام به، لتعزيز هذا الجانب في مجتمعاتهم، وهو ما يدفع إلى التفكير في استحداث جائزة جديدة، بعيدا عن الجوائز التقليدية في هذا الإطار، سواء ما يسمى بـ"اللعب النظيف" أو "الروح الرياضية"، لتكون على سبيل المثال "أفضل لقطة إنسانية في الملاعب"، وفي الحقيقة يبقى صلاح هو الأجدر بها، مثلما هو الأحق بجائزة اللاعب الأفضل في العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة