انطلاقًا من دور الجهاز القومى للتنسيق الحضارى فى العمل على إحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المصرى، انطلقت فكرة مشروع "حكاية شارع"، الذى يهدف إلى التعريف بالشخصيات المهمة التى أطلقت أسماؤها على بعض الشوارع، وذلك من خلال وضع لافتات باسم وتاريخ الأعلام الذين أطلقت أسماؤهم على الشوارع، والذين يشكلون قيمة تاريخية وقومية ومجتمعية لمختلف فئات الشعب المصرى، ولهذا نستعرض يوميًا شخصية من الشخصيات التى لهم شوارع تحمل أسماءهم، حسب ما جاء فى حكاية شارع للتنسيق الحضارى، واليوم نستعرض شخصية غاندى.
ولد غاندى فى بوربندر بولاية جوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويل فى العمل السياسي، حيث شغل جده ومن بعده والده منصب رئيس وزراء إمارة بوربندر، كما كان للعائلة مشاريعها التجارية المشهورة، وقضى طفولة عادية، ثم تزوج وهو فى الثالثة عشر من عمره بحسب التقاليد الهندية المحلية ورزق من زواجه هذا بأربعة أولاد.
شارع غاندى
سافر غاندى إلى بريطانيا عام 1882م لدراسة القانون، وعاش فى الشهور الأولى من إقامته فى لندن فى حال من الضياع وعدم التوازن، والرغبة فى أن يكون رجلا انجليزيا نبيلا، غير أنه سرعان ما أدرك أنه لا سبيل أمامه سوى العمل الجاد، خاصة أن وضعه المالى والاجتماعى لم يكونا يسمحان له باللهو وضياع الوقت، وسرعان ما عاد غاندى إلى تدينه والتزامه وسعيه إلى الحقيقة والأخلاق، فأخذ يتعلم القانون ويعمل على تفسير النصوص بطريقة تناسب عقلية شعبه ويقبل ما يشبع العقل، ويوحد عقله مع دينه ويطابق ما يمليه عليه ضميره.
عاد غاندى إلى الهند فى عام 1890م بعد حصوله على الإجازة الجامعية التى تخوله ممارسة مهنة المحاماة، إلا أنه واجه مصاعب كثيرة بدت بفقدان والدته التى توفيت، واكتشافه أن المحاماة ليست طريقا مضمونة للنجاح، وقد أعاده الإخفاق من بومباى إلى راج كوت، فعمل فيها كاتبا للعرائض خاضعا لصف المسئولين البريطانيين، ولهذا السبب لم يتردد فى قبول التعاقد للعمل الذى قدمته له مؤسسة هندية فى ناتال بجنوب افريقيا، وبدأت مع سفره إلى جنوب أفريقيا مرحلة كفاحه السلمى فى مواجهة تحديات التفرقة العنصرية.
سافر غاندى وعائلته إلى جنوب أفريقيا فى عام 1893، وسكن ولاية ناتال الواقعة على المحيط الهندى مقيما فى أهم مدنها “دوربا” وعمل مدافعا عن حقوق عمال الزراعة الهنود والبوير العاملين فى مزارع قصب السكر، وكان مجتمع العمال فى جنوب أفريقيا منقسما إلى جماعات مختلفة جماعة التجار المسلمين العرب وجماعة المستخدمين الهندوس، والجماعة المسيحية، وكانت بين هذه الجماعات الثلاث بعض الصلات الاجتماعية.
وقد دافع غاندى عن العمال الهنود والمستضعفين من الجاليات الأخرى، واتخذ من الفقر خيارا له، وتدرب على الإسعافات الأولية ليكون قادرا على إسعاف البسطاء وهيأ منزله لاجتماعات رفاقه من أبناء المهنة ومن الساسة، حتى إنه كان ينفق من مدخرات أسرته على الأغراض الإنسانية العامة، استمر غاندى فى أفريقيا يدافع عن الهنود وعقد المؤتمر الهندى فى الناتال وأسس صحيفة الرأى الهندية وقد اعتقل غاندى أكثر من مرة فى أفريقيا.
وقد قضى غاندى فى جنوب أفريقيا الفترة من (1893 – 1915م) يدافع عن حقوق العمال الهنود أما الشركات البريطانية وكانت من أهم مراحل تطوره الفكرى والسياسي.
عاد غاندى إلى الهند من جنوب أفريقيا سنة 1915م وفى غضون سنوات قليلة من العمل الوطنى أصبح الزعيم الكثر شعبية وركز عمله العام على النضال ضد النظام الاجتماعى من جهة وضد الاستعمار من جهة أخرى واهتم بشكل خاص بمشاكل العمال والفلاحين والمنبوذين.
مواقف غاندى من الاحتلال البريطاني
تميزت مواقف غاندى من الاحتلال البريطانى لشبه القارة الهندية فى عمومها بالصلابة المبدئية التى لا تلغى أحيانا المرونة التكتيكية وتأرجح موقفه فهادن الاحتلال البريطانى بين عامى 1918 و 1922م، وفى عام 1922 قاد حركة عصيان مدنى صعدت من الغضب الشعبى الذى وصل فى بعض الأحيان إلى الصدام بين الجماهير وقوات الأمن والشرطة البريطانية مما دفعه إلى إيقاف هذه الحركة، ورغم ذلك حكمت عليه السلطات البريطانية بالسجن ست سنوات وأفرجت عنه فى عام 1924م.
اغتيال غاندى
لم ترق دعوات غاندى للأغلبية الهندوسية باحترام الأقلية المسلمة، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه، وبالفعل فى 30 يناير 1948م أطلق أحد الهندوس المتعصبين ويدعى ناثورم جوتسى ثلاث رصاصات قاتلة سقط على إثرها المهاتما غاندى صريعا عن عمر يناهز 78 عاما وقد تعرض لست محاولات اغتيال وقد لقى مصرعه فى المحاولة السادسة، ومن أشهر كتبه "تجاربى مع الحياة، رحلة البحث عن الحقيقة".