شهد الموسم الدرامى لرمضان 2022، عرض حلقات الجزء الثالث من مسلسل الاختيار، هذا العمل الوطنى الذى يُقدم ملحمة تاريخية ستظل حاضرة فى أذهان المصريين، فهى لا تقل أهمية عن الحروب التى خاضتها مؤسساتنا الوطنية للحفاظ على أمن واستقرار الوطن.
وأتى الجزء الثالث بميزة مختلفة ألا وهى، أن كل حلقة تضمنت نهايتها جزءا من تسجيلات موثقة من أحاديث واجتماعات قيادات ومسؤولين بجماعة الإخوان، ما فضح سياساتهم وأساليبهم، كما أكدت على الأسباب التى دفعت بالمصريين إلى رفض حُكم الجماعة الإرهابية والنزول إلى الميادين فى 30 يونيو من عام 2013 للتخلص منهم والحفاظ على أمن مصر القومى، إضافة إلى أنها جاءت لتؤكد على وطنية القيادة السياسية وما بذلوه من مجهودات فى سيل الحفاظ على أمن واستقرار مصر وشعبها كهدف رئيسى لا حياد عنه، وجاءت الحلقة 26 لتعكس كواليس هذه الفترة فى تاريخ مصر ولتظل وثيقة شاهدة على الأحداث، حيث ظهر فيها الفريق أول عبدالفتاح السيسى مُنفعلًا على نائب جماعة الإخوان خيرت الشاطر، والقيادى بالجماعة سعد الكتاتنى، قائلا: «ابعدوا عن الرئيس مرسى نصيحة لوجه الله سيبوا الرئيس فى حالة.. المقابلة انتهت»، كما أعرب عن رفضه لتهديد الإخوان فى ذاك الوقت، وقال: «انتم خربتوا البلد.. خربتوا البلد وضيعتوها أكتر ما كانت ضايعة، بأفكاركم السوداء ومؤامرتكم، وبعدين انت جاى تهدد قائد جيش مصر بشوية إرهابيين، انتم باين عليكم متعرفونيش صحيح، طب قسما بالله اللى هيرفع السلاح فى البلد دى فى وش الجيش هشيله من على وش الأرض».
وترصد «اليوم السابع» دلالات تلك التسجيلات وأبرز الصفات التى تتحلى بها جماعة الإخوان، إضافة إلى مجموعة من الشخصيات التى حاولت انتهاز فرصة عدم الاستقرار التى شهدتها مصر منذ عام 2011، للحصول على مكتسبات ومناصب سياسية، مثل حازم صلاح أبو إسماعيل، وأيمن نور، ومحمد البرادعى.
فى الحلقة الثالثة جاء رأى عبدالمنعم أبوالفتوح فى جماعة الإخوان، مشيرًا إلى أنه فى حال الاختيار بين شخص ينتمى إلى القوات المسلحة وجماعة الإخوان، فإن صوته بالطبع سيكون للقوات المسلحة، ودون أى تفكير. وفى الحلقة التالية - 4 - ظهر المرشد العام للجماعة مُتحدثًا عن أبوالفتوح، وقال: فصل أبو الفتوح من الجماعة جاء لأنه لم يلتزم بوعده مع إخوانه، واصفًا إياه بأنه شخصية تُناور وتراوغ، كما كشف المرشد أنه طلب من أبو الفتوح الانسحاب من الانتخابات الرئاسية وأن يتوجه إلى التقدم كنقيب للأطباء ورئيس لاتحاد المهن الطبية، بينما أصر أبوالفتوح على موقفه مُعربًا عن رغبته فى منصب الرئيس.
وخلال الحلقة الـ14 لم يختلف رأى عبدالمنعم أبو الفتوح عن خيرت الشاطر حول حازم صلاح أبو إسماعيل وعدم صلاحيته فى تولى منصب الرئاسة، وقال: «أنا كنت أرى فى حازم صلاح أبو إسماعيل هذا الإنسان المُتدين وصوله للسلطة كارثة.. أنا قولتله الكلام ده يا سيادة اللواء.. قولتله انت لو وصلت للسلطة فى مصر يا ابنى كارثة.. إيه اللى بتعمله ده، هى مصر بتستحمل الهباب اللى انت بتعمله، لكن للأسف كان ليه مناصرين وليه مؤيدين وجت من عند ربنا، والله لا كنت أعرف إن أمه أمريكية ولا خالته ولا أى حاجة..».
وعن عصام سلطان القيادى بحزب الوسط سابقًا، ظهر خيرت الشاطر فى الحلقة الـ20 وقال عنه: «هو عصام مش عاقل أصلًا فى عداوته.. طبيعة شخصيته كده يعنى، عصام سلطان كان رئيس اتحاد طلبة وعامل إنه زعيم، وبعدين احنا إشكاليتنا الرئيسية معاه بس منقدرش نعلنها صراحة إن هو لما فتح مكتب محامى كان عندنا أدلة إنه بيدى رشاوى وكده فمينفعش أخلاقيًا بغض النظر إنك تتفق سياسيًا إنك تتعامل معاه تحت أى ظرف.. زى واحد سرق أو أو وخلافه فهو كان عنده انحرافات أخلاقية مينفعش تقول عليه إخوان مسلمين.. بس احنا مش أسلوبنا بقى إنه احنا نقعد نتكلم فى موضوعات.. وإنه خد فلوس لما سافر إيران» .
وفى الحلقة الـ9 كشف محمد مرسى رغبة محمد البرادعى فى تحقيق أى مكاسب سياسية بعد يقينه من عدم وجود فرصة له لتولى رئاسة الجمهورية، قائلًا: «كان هيموت على رئاسة الوزراء يعنى حضرتك فاكر اتصل بينا مرتين فى نفس اليوم.. يا عم مش احنا اللى مش موافقين، قال خلاص بقولكم إذا مش مواقفين قولوا ليس لدينا مانع.. هى رئاسة الوزراء مهمة للدرجادى.. حاجة غريبة جدًا».
وفى تسجيل بالحلقة الـ16 يقول مرسى: «شوف أيمن نور ده بيتحايل عليا إن أنا أقول لإخوانا يعفو عنه وبتاع ومش عارف.. الحكم بتاعه.. يجتمع فى بيته تلات أربع خمس مرات يجيب 50 60 70 واحد.. ويقعد يرتب معاهم ليوم 25.. حاجة مش ممكن، بنى آدم عجيب الشكل»، كما أشار إلى عمر عفيفى الذى كان يعمل على تأليب الرأى العام من أمريكا خلال أحداث 25 يناير، وقال: «عمر عفيفى اتصل من أمريكا وقال خطة الهجوم على الميدان.. إيه الكلام ده.. هو بيستعبط.. والتانى والتالت 4،5،6،7، معروفين».
طالما شاهدنا أثناء حُكم جماعة الإخوان والفترة التى تلتها نهج الجماعة الإرهابى فى ضرب أمن البلاد عبر عمليات عنف وإرهاب فى مناطق مختلفة ولا سيما على أرض سيناء، وشعر المصريون برغبة الجماعة فى السيطرة على مصر وجميع مفاصل الدولة، وفى مقدمتها المؤسسات الأمنية، وهو ما عكسه تسجيل الحلقة الـ5 عندما قال خيرت الشاطر: «الحلقة اللى كتير من الناس مش عارفينها إن مكتب الإرشاد الحالى أكتر من نصه اتحاكم عسكريًا والمكتب التنفيذى بتاع الحزب الحالى أكتر من نصه اتحاكم عسكريًا، وبالتالى لما بنيجى نناقش أى حاجة أو حاجة خاصة بالجيش والتعامل معاه، بيبقى كل واحد على مستواه الشخصى حاسس بتار، وده بيتعبنا فى مسائل كتيرة»، وفى الحلقة الـ6، قال الشاطر: «كل اللى اشتغل فى نيابة أمن الدولة وجزء كبيرمن النيابة العامة دا لازم يتفور؛ لأن ده جهاز اتربى على التبعية الكاملة للسلطة...»، وفى الحلقة الـ8 نقل محمد مرسى رسالة للإخوان مفادها أنه فى حال عدم فوزه بالانتخابات الرئاسية فإن موجة من النيران والاضرابات ستشهدها البلاد، مُوجهًا حديثه إلى المشير طنطاوى رحمه الله، قائلًا: «النتيجة إذا اتغيرت يا سيادة المشير سيؤدى هذا إلى حالة من الاضطراب لا نعرف إلى أى مدى ستذهب .. سيؤدى إلى اضطرابات ساعتها ولا أنا ولا انتم هتقدروا تمنعوها ستُمثل خطر حقيقى غير 11 فبراير.. أنا أرصد الواقع لحضرتك أنا لك ناصح أمين».
سياسات الإخوان القائمة على الحشد وإثارة الرأى العام، كانت واضحة فى أكثر من تسجيل، فهى الفكرة الأقرب لتصور قيادات الجماعة الإرهابية، وفى الحلقة الـ11 وأثناء رواية محمد مرسى حول أحد المواقف بينه ومحمد رجب أمين الحزب الوطنى، قال إنه فى اتصال هاتفى بينهما، قال له: « يا محمد يا رجب لم نفسك أحسن انت لو فكرت تجمع 3000 واحد هنحاصرك بـ30 ألف فى ساعتين وأنت والـ3000 هتروحوا فى ستين داهية».
وفى الحلقة الـ22 جاء حديث الشاطر عن النائب العام الأسبق عبدالمجيد محمود وأيضًا المستشار عادل عبدالسلام جمعة، ليعكس مدى كره الجماعة لرجال القضاء والعدل، وقال: «جيلى أنا والناس اللى تعاملت مع عبدالمجيد محمود فى تاريخه الطويل كله أو مع عبدالسلام جمعه كقاضى، كلنا لا نثق فى هؤلاء الناس ولا بنسبة واحد فى المليون»، وهو ما يُفسر سبب إصدار قرار بإقالة النائب العام الأسبق من منصبه فى 2012 بقرار من مرسى.
طالما كان العداء مع الإعلام قائمًا والذى كان وما زال من أكثر الأسلحة التى تؤرق الجماعة الإرهابية، وبشكل مباشر أفصح الشاطر عن ذلك وجاء تسجيل الحلقة الـ23 وهو يتحدث عن رجل الأعمال أحمد بهجت - رحمه الله - صاحب قنوات دريم فى ذاك الوقت، وأيضًا نجيب ساويرس، حيث قنوات أون حينها، مُطالبًا باتخذا إجراءات تُعيق استمرار عملهما الإعلامى.
أكثر من تسجيل نقل لنا تفكير قيادات جماعة الإخوان، ورؤيتهم إلى التيارات الإسلامية الأخرى، وأيضا آراءهم فى عدد من الشخصيات العاملة بالمجال السياسى فى ذاك الوقت، على الرغم من التفافهم جميعا حول الإخوان فى ذاك الوقت، خاصة فى مرحلة الانتخابات الرئاسية واختيار الرئيس المعزول محمد مرسى، ولعل أبرز من سيطر على أحاديثهم الجانبية وخلال اجتماعاتهم الخاصة، كان حازم صلاح أبو إسماعيل وحزب النور والتيار السلفى بشكل عام، وأيضًا عصام سلطان، وعبدالمنعم أبو الفتوح. وفى الحلقة الثانية من المسلسل وصف مرشد جماعة الإخوان، السلفيين بأنهم شراذم، مشيرًا إلى أن القيادات السلفية لا تملك الأمر إلا على المجموعة التى تحت إمرتها، مشددًا على أنهم دون عهد أو وعد وأنهم أساءوا للإسلام وأنفسهم، قائلًا: «بيتفقوا اتفاق النهارده، والصبح تلاقى مجموعة تانية منهم مختلفة».
وفى الحلقة الـ17 لفت خيرت الشاطر إلى أنه لا يوجد ما يُسمى بتحالف بين الإخوان وحزب النور، وأنه أمر مرفوض لأنه سيتسبب للجماعة فى مشكلة كبيرة، وأن الأفضل بحسب رؤيته هم تبنى مبادرة أو تيار أو ائتلاف كبير يستوعب من يرغب الانضمام له، لافتًا إلى رفض حزب النور تواجد تيارات أخرى غير إسلامية، وفى خلال حديث خيرت الشاطر ومحمد مرسى عن المُترشحين للانتخابات الرئاسية أكدوا على رؤيتهم بعدم صلاحية حازم صلاح أبو إسماعيل، وأن سليم العوا اختيار أفضل بالنسبة لهم، وعلى الرغم من تغنى الجماعة بأن الإسلام الحق شعارها إلا أن خيرت الشاطر تحدث فى الحلقة الثانية كاشفا عن نهج الخيانة الذى اتبعه فى حق السلفيين، فعلى الرغم من أنهم جميعًا تحت مظلة التيارات الإسلامية وكانوا يتبعون سياسة «أنا وأخويا على ابن عمى..»، إلا أنه قال: «أنا بزرع ناس وسطهم وبتابع كل تفاصيلهم وأى حاجة فيها قلق.. وأى حاجة فيها خطر بحاول أعالجها ولما بلاقى معلومة مثلًا موجودة بروح مكلم أمن الدولة».
لعل التسجيلات التى تم بثها فى «الاختيار» حملت دلالة رئيسية ألا وهى يقظة المؤسسات الأمنية المصرية، فقد أكدت أن الأجهزة الأمنية كانت تعمل ليل نهار فى سبيل الوطن والشعب المصرى، وأنهم كانوا على دراية ببواطن الأمور جميعها، وما يُحاك لمصر من مؤامرات والأهداف الحقيقية من تمسُك جماعة الإخوان بسُدة الحُكم فى مصر. وكشفت كيف كان الإخوان لا يهتمون سوى بمصالح الجماعة فقط، وأن مصر ليست وطنا وشعبا بالنسبة لهم وإنما هى مُجرد غاية فى طريق مُهمة فى طريق حلم الجماعة الإخوانية.