نلقى الضوء على كتاب "تحدِّيات قيم المواطنة: الإسلاموية والحَرب" الصادر عن مركز المسبار والذى يناقش قيم المواطنة بالبحث، ويُركِّز على التَّحدِّيات والفرص التِى تُواجههَا مَنظُومة القيم المتَّصلة بها؛ المتمثِّلة فى التَّسامح والتَّضامن والاحترام والاعتراف والالتزام بِالقانون والوطنيَّة، فيتناول أنماطًا مُتَعددَة من المواطنة وقيمها التى طورتهَا مُلاحظات الفلاسفة والمنظِّرين السِّياسيِّين، استجابةً منهم لِمَا واجهَته بُلدانهم مِن نِزاعَات أهليَّة وولاءات عابرة، وتحدِّيات للعيش المشترك.
تناول الكتاب دِراسَات في ثلاثة طُروحَات لفلاسفة ألمَان، تَبايَن حُضُور قِيم المواطنة فِى نظريَّاتهم، فَنَاقشَت تنظيرات أكسِيل هُونيث (Axel Honneth)، وجدليات يورجن هابرماس (Jürgen Habermas)، وطروحات هانس يُوناس (Hans Jonas) . إِذ اكتسَب مَفهُوم الاعتراف عِند هُونيث أهَميَّةً قُصوى فِى تَشكِيل الهوِية الذَّاتيَّة، فبِغيابه يَفقِد الفرد صِفَته الشَّخصيَّة ووضعيَّته الفرديَّة.
بينمَا احتلت قيم الحوار والتَّواصل واحترام القانون والمجال العام مَكانَة كَبِيرَة فِى كِتابَات هابرماس، الذِى نظر لِمواطنةٍ العالميَّة، فِيمَا يُشدِّد على أخلاقيَّات النِّقَاش أو الحوار القائمة على: التَّواصل والتَّفاهم والحرِّيَّة والعقلانيَّة والتَّحرُّر.
بينمَا أولَى يُوناس أهَميَّة لِلفلسفة الإيكولوجيَّة فِى تنظيراته، وأراد التَّأسيس لِأفكَار جَدِيدَة حَول حَاضِر ومستقبل البيئة والإنسان.
و لَم تُشِر الدِّراسة إِلى المسارات السِّياسية والثَّقافيَّة التى نَشأت فِيهَا النظريّات، ولا أزمَات ألمانيَا فِى القرن الماضى، التِى أنتَجت المدارس الثَّلَاث، التى تتطوّر إلى الآن، ويمكِن مُلَاحظَة صِلة كُلِّ فيلسوف بِأزمة مِن الأزمات، نتاج الحروب، أو سياسة الذَّاكرة، والمسؤوليَّة المستقبليَّة.
ولئِن اِختلَفت هَذِه المدارس ونزعاتهَا، إِلَّا أنهَا تَتفِق فِى تَعزِيز قِيم العيش المشترك والتَّسامح.
إِذن، فقيم المواطنة تَبرُز عن تحدٍّ بِعينه، وتترافق مع ظَرف الوعى السِّياسى والقانونى بِأهمِّيَّة السِّلم المجتمعي، لِذَا تَنَاولَت المادَّة الثَّانية، سِياقَات وِلادة الوعى بِالمواطنة فِى ثَلاثَة نَماذِج: الأول الأنموذج الرَّاوندي، الذِى بَانَت فِيه صَدمَة الإبادة والحرب، فتَطرّقَت إِلى المعاناة والدُّروس المستفادة مِنهَا؛ فِى سبيل إِعادة البنَاء الدَّاخلى وتحقِيق المصالحة، وكيفِية بُلُوغ العدالة والعَمل مِن أجل المستقبل، أمّا النَّموذج الثَّاني؛ فهو السِّويسرى الذِى تَسببَت فِى صناعته، مُشَاركَة المرتزقة السِّويسريِّين فِى الحُروب الخارجيَّة، إِذ اِنتهَى مُسلسَل النِّزاعات السِّويسريَّة عام 1515 على إِثر هَزِيمَة فِى مَعرَكة خَارجِية، إِذ كان لِلمشاركة فِى مَعرَكة مارينيانو تحديدًا، دَور أساسِى فِى تَظهِير عَقد اجتماعى جديد لِلعيش معًا فِى الكانتونات، وإعادة النَّظر بِالمشاركة فِى الحُروب الإقليميَّة، بَعد الخسائر الفادحة فِى الأرواح التِى تَكَبدهَا المحاربون السِّويسريُّون.
فبدأت تَتَبلور قناعَات لَدى المجموعات السِّويسريَّة بِضرورة تَشكُّل مَنظُومة مُواطنيَّة، تَحصُر قِيم التَّضحية والفداء بِالحدود السِّياسيَّة لِلوطن، مِمَّا يَستدعِى عدم المشاركة فِى حُرُوب الآخرين.
وقد وصفَت سِويسرَا نفسهَا بِأنَّهَا مُحَايدَة مُنذ عام 1674، فانتهجت الحيَاد كسياسة خَارجِية.
بينمَا الأنموذج اللُّبنانى الثَّالث لَا يَزَال يَتَخلَّق عَبر جُهُود لافِتة فِى الجانب النَّظَرى لِجهود المجتمع المدَنيِّ، بينمَا تَرتَفِع التَّحدِّيات والعقبات، التِى تَسببَت بِهَا الأزمات السِّياسيَّة الإسلامويَّة؛ وكَثافَة الولاءات الدِّينيَّة العابرة لِلحدود، التِى يتقدَّمهَا إِشكَال حِزب اللَّه اللُّبنانيِّ، إِذ أفرَزت تمزُّقًا دَاخلِيا، اِستجَاب لَه البعض بِطَرح صِيغ مُواطنَة مُجَزأة مِن فَرط الإحباط!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة