يأتى كتاب سيرة الأجواق المسرحية العربية نهاية القرن التاسع عشر للباحث والكاتب تيسير خلف، ليمثل إضافة مهمة فى الكشف عن تاريخ العالم العربى خاصة كل من مصر وسوريا من الناحية الفنية والاجتماعية فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، من خلال تتبع حالة الفرق المسرحية فى ذلك الوقت.
وصدر الكتاب عن منشورات المتوسط -إيطاليا، ويحتوى مذكرات الممثلين المصرى عمر وصفى واللبنانية مريم سماط، كما يحتوى حواشى كاشفة وصور نادرة لفنانى وصناع المسرح فى تلك الفترة.
سيرة الأجواق
وبالبطع فى البداية سوف تستوقفنا كلمة "الأجواق" وهى جمع كلمة جَوْق، والجوق المسرحى هو المصطلح الذى كان يستخدم فى القرن التاسع عشر لما نسميه اليوم الفرقة المسرحية.
يقدم الكتاب، كما ذكرنا، قراءة وافية لنشأة فن المسرح وازدهاره، من خلال مذكرات الممثل عمر وصفى، واسمه الحقيقى عمر محمَّد ميقاتى، ولد فى العام 1874 تقريبا، لأُسرة قاهرية مُحافِظَة، حيثُ كان والده يتولَّى الميقات والأذان والقرآن، فى جامع الحسين، لكنه اختار فن التمثيل ودفع فى سبيل ذلك الكثير من راحته وحياته.
وللأسف فمذكرات عمر وصفى ليست مكتملة، فعلى الرغم من كون عمر وصفى كتبها فى سنة 1931 إلا أن الموجود منها يتوقف عند بدايات القرن العشرين، ولم يستطع الباحث تيسير خلف أن يصل إلى جديد فى هذا الأمر.
ومذكرات عمر وصفى مهمة، فإضافة إلى كون عمر فنان كوميدى عمل تقريبا مع كل الفرق المسرحية فى ذلك الوقت، كما عمل إداريا مع البعض، مما سمح له بأن يلقى الضوء بقوة على شخصيات مؤثرة فى تاريخ الفن العربى على رأسهم كل من أبو خليل القبانى وعبد الرازق عناية بك وفرح إسكندر والشيخ سلامة حجازي، وما قدموه من حسن صنيع فى عالم المسرح، كما يكشف الصراعات التى كانت بين الفرق المختلفة والبحث عن الأفضلية، واكتشاف النجوم كما حدث مع مليكة سرور وغيرها.
كما تكشف مذكرات عمر وصفى عن طبيعة جمهور تلك الفترة، وسنلاحظ أن الجمهور كان يشجع الفن، وكان متشوقا لكل جديد ومتابعا لكل العروض تقريبا، ويملك حاسة نقدية فيما يشاهده، وكان ذلك فى مصر فى الصعيد والوجه البحرى وكذلك فى مدن سوريا ولبنان.
أما مريم سماط المولودة فى بيروت فى العام 1870 لأُسرة ميسورة من طائفة الروم الأرثوذكس، واضطرَّتْهُا الظُّرُوف للهجرة إلى مصر حوالى العام 1888، فإن مذكراتها وإن كانت مكثفة فهى تقدم قراءة لعالم المسرح حتى سنة 1918 تقريبا.
وتعتمد مريم سماط على تجربتها الشخصية وتنقلها بين الفرق، ويظهر فى مذكراتها إضافة لأبى خليل القبانى والشيخ سلامة حجازى كل من جورج أبيض وعبد الله عكاشة، ونكشف المذكرات صعود وهبوط عدد من الفرق والممثلين أيضا، حتى مريم سماط نفسها التى كانت أول امرأة تمثل على المسرح وكانت البطلة الأولى وتشبهها الصحافة بسارة برنار الشرق، تراجعت مكانتها مع الزمن، ولم تظل النجمة الأولى للفرق المسرحية.
ما لفت انتباهى فى هذه المذكرات إضافة إلا المعلومات الكثيرة جدا، أن ما كتبه عمر وصفى به مسحة كوميدية تليق بكونه ممثلا مسرحيا، يمزح ويسخر، أما ما قدمته مريم سماط فيليق بها أيضا به دراما وتآمر وكراهية وحب وظلم أحيانا، وإيمان بأن الحال فى المسرح يتراجع ويعود إلى الخلف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة