سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 8 مايو 1986.. يحيى حقى عن صلاح جاهين: كان هدية السماء إلى الأرض وأرفض أن يقال إنه من بيرم التونسى أو بديع خيرى

الأحد، 08 مايو 2022 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 8 مايو 1986.. يحيى حقى عن صلاح جاهين: كان هدية السماء إلى الأرض وأرفض أن يقال إنه من بيرم التونسى أو بديع خيرى يحيى حقى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الكاتب المبدع يحيى حقى دائم التعبير عن افتتانه بصلاح جاهين وفنه فى أحاديثه التليفزيونية والإذاعية، وكتب عن رباعياته بحب وإعجاب فى كتاب «عطر الأحباب»، وبعد وفاة صلاح جاهين يوم 21 إبريل 1986 ذهب ابنه «بهاء» الشاعر والكاتب الصحفى، إلى مبدعنا الكبير ليسأله عن سر هذا الافتتان، فتحدث عن الخلطة السحرية عند «جاهين» إنسانيا وفنيا، حسبما نشرت «الأهرام، 8 مايو، مثل هذا اليوم، 1986».
 
يذكر «حقى»: «كان الفنانون، خاصة فى العهد الرومانسى، يحبون أن يُعرفوا، فيتخذون زيا مخالفا لأزياء الناس، أو يطيلوا سوالفهم ولكن فى الحقيقة المسألة ليست مسألة زى، فالفنان له إشعاع روحى يحس به كل من يعشق الفن، وأشهد أن صلاح كان الشخصية الوحيدة التى إذا رأيتها فى الطريق دون أن تعرفها، تقول: هذا هو الفنان، حيث كانت عنده هذه القدرة الشديدة على الإشعاع، وتحس على الفور أنك لست أمام إنسان يأكل ويشرب وينام كالحيوان، بل أمام إنسان لديه قوة روحية، تشع من عينيه، أنا لم أر فى حياتى نظرة بهذه الوداعة، حقا كان مبتسما ولكننى أصفه أول ما أصفه بالوداعة، كان يشع وداعة وطيبة، ويقول وجهه إنه رجل مسالم، يكره الشر والظلم والدمامة، وأنه كالجوهرة المصفاة، هدية السماء إلى الأرض، هم يقولون إنه متعدد المواهب، وأنا أقول إنه ينبع من مصدر واحد هو الفن، لأن الفن تركيبة روحية عقلية ثقافية عندما تتوافر فى إنسان يشع بها، وبعض الفنانين تنحصر موهبتهم فى فن معين، بينما كان هو فياض الطاقة الفنية التى لا تكتفى بأداة تعبير واحدة».
 
يسأله «بهاء»، عن صلاح جاهين رسام الكاريكاتير، يجيب «حقي»: «أنا مغرم بفن الكاريكاتير وأتتبعه فى أوروبا، وأقول إنه يتفوق على أعظم الكاريكاتيرين الذين شاهدتهم فى الخارج، لا نتأمل فقط التعليق أو الفكاهة بل طريقة رسم الخط، ورسم الأشخاص، كان صلاح يقصد برسماته أن يدخل البهجة فى نفوس الناس، ومع ذلك كان يعبر لهم فيها عن أشجانه وملاحظاته عن المجتمع، وكل ما يحيط به من متاعب الناس وهمومهم، وفن الكاريكاتير عنده دراسة نفسية لمختلف أنماط المجتمع، فعندما يرسم بنتا صغيرة فى سن الزواج، أو أما عجوزا أوامرأة «بلدية» أو جزارا، تجده استل من هذه الشخصية خصائصها المميزة ورسمها بالخط، وكان فى هذا معجزة من المعجزات، وفى كل تاريخه الصحفى لم يمس إنسانا بكلمة جارحة أو يستهزئ به، فهناك فرق بين السخرية والدعابة، وعند صلاح لا تجد السخرية بل الدعابة، صلاح كأنه كان يعيش فى عالم بجانب عالمنا ليست فيه سخرية، عالم كونه لنفسه وليس له مع عالمنا أى التحام».
 
وعنه شاعرا، يرى يحيى حقى: «كتب صلاح بالعامية، وهذا هو السبب فى أن الدراسات الجامعية والرسمية تجنبته ولم تدرسه، وهذا منتهى الخطأ، لأن الشعر موهبة وقدرة تعبير، فسواء عبرت بالفصحى أم العامية فأنت شاعر، ومع الإصرار دائما على أن الشعر هو بالفصحى، كان صلاح واسع الاطلاع وصلته بالشعر العربى موجودة، فهو يستمد أيضا من خصائص الشعر العربى، فعندما تقرأ «صلاح» تذكر شعراء جاهليين أو عباسيين، فأنا مثلا أحب أبونواس، وأجد فى «صلاح» كثيرا من روح أبى نواس وقفشاته، ولكن بلا جدال كان صلاح فى مأزق، لأن اللغة العامية لغة دائمة التطور، وتتغير من جيل إلى جيل، والغريب أن صلاح قفز فوق فروق اللغة العامية وتنقلها من جيل إلى جيل، واستصفى لنا روحها الخالصة وكتب بها».
 
يضيف «حقى»: «أنا أنكر أنه متأثر بأى أحد، وأرفض أن يقال إنه من بيرم التونسى أو من بديع خيرى، أو أى شخص، لأننا عندما ندرس «بيرم» الآن سنجد أن عاميته تعتبر قديمة نوعا ما، أما عامية بديع خيرى فمليئة بمزاج تركى، بديع خيرى فى حقيقته يستمتع باللغة العامية استمتاع أى أجنبى يأتى إلى مصر، ويسمع كلمات مثل «إكمن» و «أجرن» و«أتاريه»، وغيرها من الألفاظ الظريفة، وأيضا تستوقفه غرابة الأسماء «أبوزعبل، زعبلاوى... إلخ»، فنجد فى بديع خيرى مثل هذا التأثيرات، وهى بالطبع تثرى لغتنا العامية ونشكره عليها، لكنها تدل على أن العامية معرضة للتلون بثقافة المتكلم، ومتعرضة للتحول من جيل إلى جيل، أما عند صلاح جاهين فهى نابعة من صميم روح الفكاهة والدعابة المصرية، ومن منابع الفن الشعبى الأصيل».  
 
يسأله «بهاء»، عما يتردد عن اكتئاب صلاح، وكيف أنه كان يعطى الناس البهجة وقلبه ملىء بالكآبة، يجيب «حقى»: «أعتقد أن صلاح كان سعيدا، ربما غلبه فى بعض الأحيان ككل النفوس الحساسة نوع من الحزن، هذا الشعور مرتبط بالفنان المرهف، فى لحظات عديدة يقف أمام الكون ويتساءل ويستعرض الآمال العريضة الجياشة إزاء شخصه ووطنه والناس، يتأمل هذا ويشعر بنوع من الشجن، أقول الشجن لا الكآبة، فلا يمكن أن يضع المولى سبحانه تعالى مثل هذا الثورة فى قلب إنسان إلا وكان سعيدا».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة