ربما تكون تلك هي المرة الأولى – في حدود علمي - التي يتم الاحتفاء فيها بمرشح لجائزة الدولة التقديرية لم يوفق في الحصول عليها، بل ويقابل بمظاهرة حب وتقدير من جموع المثقفين على اختلاف توجهاتهم، وهي ظاهرة شاهدناها على مدى الأيام الماضية بعد عدم فوز السيدة فاطمة المعدول، التي رشحت لنيل جائزة الدولة التقديرية في مجال الفنون، لكنها لم تفز بها، وما أن أعلنت النتائج حتى قوبلت بسيل من الحب والتقدير الكبيرين وهي تستحقهما عن جدارة.
هناك الكثيرون الذين تناولوا ما قدمته المخرجة الكبيرة فاطمة المعدول وتاريخها، خاصة أنها تعد رائدة في مسرح الطفل سواء بالإخراج أو الكتابة، بل هي من الرعيل الأول الذي اهتم وتخصص وأعطي حياته وجهده لهذا المجال ومازلت، في وقت كان يمكنها أن تتجه لأي تخصص آخر يمنحها الشهرة والمال، لكنها منذ وقت مبكر وقد اتخذت مساحة من هذا العمل الثقافي الصعب ذو العائد المحدود ماديًا وجماهيريًا، ولعل هذا ما سحب منها الجائزة، فربما لو كانت مخرجة مسرح خاص أو حفلات لكان نصيبها أوفر حظا.
كل من احتك بالعمل الثقافي فهو يعرف قدر هذه السيدة جيدا، ويعرف جهودها في هذا المجال، لكنها بالنسبة لي كانت أكبر من ذلك بكثير، فمنذ طفولتي وأنا أراها شديدة الاقتراب من عائلتي حتى أنها تكاد تكون واحدة من عائلتنا، وهو ما جعلني أراها عن قرب ومنذ زمن مبكر، فكانت تبهرني شجاعتها وجرأتها وقدرتها على النضال من أجل ما تؤمن به، في زواجها أو عملها أو حتى آرائها السياسية والاجتماعية، وهي في الحياة العامة تماما كما هي في حياتها الخاصة وفي شبابها ونضجها، وهي من القلائل في الحياة الذين نرى ما يبدونه لا يتناقض مع ما يخفونه، أو في الحقيقة هي لا تخفي شيئًا .. تنطلق كلماتها بعفوية وجرأة شديدة، دون حسابات أو ترتيب أو تلوين، لا مانع لديها أبدا أن تكون في الخلف طالما تدفع من وما تؤمن به إلى الأمام.
لعل قصتها مع الراحل لينين الرمللي وكفاحهما معا من معهد فنون مسرحية حتى أصبح واحدا من أكبر كتاب الدراما في العالم العربي، بينما هي تقف خلفه ليصل إلى مكانته التي يعلمها الجميع، هو أكبر مثال على جانب الإيثار في شخصيتها، ولعل هذا أيضا ما جعلها تختار مسرح الطفل، وهي تعلم جيدا أن نجاحه محدود على المستوى الجماهيري، ولا يأخذ ما يستحق من اهتمام الدولة، لكنها لم تعبء لأنها صاحبة رسالة آمنت بها وأعطتها بحماس تُحسد عليه .
القضية هنا ليس فوز أو خسارة فاطمة المعدول وغيرها ممن أعطوا ولم يحصلوا على ما يستحقون، لكن القضية أن هؤلاء مازال لديهم الكثير ليمنحوه لوطنهم بكل رضا وسعادة دون عائد سوى حبهم ورغبتهم في العطاء، وجائزتهم الحقيقية أن تجد الدولة وسيلة لتستوعب عطائهم وتضعه في مكانته اللائقة.
في مثل هذه الأحوال، حالة الأستاذة فاطمة، لا أشعر بالأسف كثيرا لمن يستحق تكريم ولا يحصل عليه، لأني أعتبر أن التساؤلات حول عدم فوز مرشح رغم استحقاقه أفضل كثيرًا من تساؤلات حول فائز لا يستحق، وما أكثرهم!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة