"أفضل انتقام هو النجاح العظيم"، حكمة أعجبتني قرأتها على جدران القرية الفرعونية في الجيزة، خلال رحلة قصيرة، أمس الأحد، استغرقت بضع ساعات في هذا المكان الهادئ، الذي يعيد للروح حيويتها، حيث تنقلنا الأجواء التاريخية الساحرة إلى حضارة الأجداد، وعمق التاريخ، والدولة المصرية القديمة، التي علمت العالم وصنعت الأمجاد.
المؤثرات الصوتية والتحرك بالمراكب المصنوعة على الطراز الفرعوني، طريق ينقلك إلى آلاف السنين، حيث يبدأ من أسطورة أوزوريس وايزيس، والصراع التقليدي بين الخير والشر، مرورا بملوك مصر العظام، و المعارك التي قادوها دفاعا عن حدود الدولة وامتدادا لحضارتها، ثم عرض حي يحاكي الواقع لكل الأنشطة والحرف والصناعات التي كان يمارسها المصريون القدماء، بداية من الزراعة، التي تميز فيها الفلاح المصري القديم، وابتكر لها أدوات وطرائق ما زال فلاح القرن الواحد والعشرين يستخدمها حتى الآن، لتظل هذه الوسائل تتمتع ببريق خاص، وشكل مميز حتى يومنا هذا.
المركب الفرعونية التي تسير في النهر الخالد تمر على كل الصناعات التي تميز فيها المصريون القدماء، بداية من صناعة العسل، الذي أسسوا له خلايا من الفخار للحفاظ عليه وتأمين تربيته، حتى صناعة الطوب اللبن، والزجاج، والفخار، ونحت التماثيل، بالإضافة إلى ورش النجارة، وترسانة الأسلحة وصناعة السيوف والأقواس والدروع، وصولا الي الحرف الفنية، مثل صناعة العطور من زهرة اللوتس، وغزل الكتان ونسجه، وصناعة الورق من نبات البردي، وصناعة النبيذ والبوظة باعتبارها كانت مشروبات مفضلة في مصر القديمة.
تجربة زيارة متاحف القرية الفرعونية والمنازل التي تحاكي حياة النبلاء، وأخرى كان يسكنها الفلاح المصري القديم، والتي رغم بساطتها وخلوها من مظاهر الترف والرفاهية، إلا أنها كانت جميلة ومميزة وجيدة التهوية، وتحمل نموذجا خاصا من البهجة والحب، لتؤكد عظمة هذه الحضارة الخالدة التي أبهرت البشرية حتى يومنا هذا، لذلك أتصور أن إعادة إحياء التراث الفرعوني وحضارته النادرة من خلال القرية الفرعونية في الجيزة أمر في غاية الأهمية، ووسيلة تعليمية وتربوية مهمة جدا للنشء والأطفال الصغار في تكوين معارفهم وأفكارهم عن الحضارة المصرية القديمة، لذلك يستحق المعماري الكبير، حسن رجب، صاحب المواهب المتعددة والتاريخ المتميز، كل تقدير على فكرة إنشاء القرية الفرعونية، التي يعود تاريخ البدء في تأسيسها إلى العام 1974 واستمر العمل لنحو 10 سنوات، ليبدأ افتتاح القرية رسميا في العام 1984 .
الميزة النسبية للقرية الفرعونية في الجيزة، أنها تقدم للزائر أو السائح الأجنبي فكرة عامة عن الحضارة المصرية القديمة بالكثير من تفاصيلها وتاريخها، وتمنح أصحاب الزيارات القصيرة للقاهرة، الذين لا يمكنهم زيارة المعالم السياحية بصورة شاملة، فرصة ممتازة للتعرف على حضارة المصري القديم، وهذا يفسر وجود العديد من الزوار العرب والأجانب للقرية.