"الوحيد الذى قلده 90 من قراء القرآن الكريم الذين جاءوا من بعده لأنه يؤدى السهل الممتنع.. هو مثل بيرم التونسى فى الزجل ومحمد التابعى فى الكتابة الصحفية وسيد درويش فى الموسيقى، مثل الذهب المسبوك".. هكذا وصف الكاتب الصحفى محمود السعدني قارئ الملوك والرؤساء الشيخ مصطفى إسماعيل في كتابه "ألحان السماء".
ولد الشيخ مصطفى محمد المرسى إسماعيل، في مثل هذا اليوم 17 يونيو عام 1905 بمحافظة الغربية وتحديدًا قرية ميت غزال التابعة لمركز السنطة، وألحقته أسرته بكٌتاب القرية فحفظ القرآن الكريم وعمره لم يتجاوز 12 عامًا، ثم التحق بالمعهد الأحمدى فى طنطا لدراسة القراءات وأحكام التلاوة، فأتم فيه تلاوة وتجويد القرآن وراجعه.
الشيخ مصطفى اسماعيل
كان عام 1952 البداية الحقيقية لاحتراف الشيخ مصطفى إسماعيل تلاوة القرآن الكريم، حينما شارك في إحياء ليلة مولد النبى صلى الله عليه وسلم بالحسين، وكان يحضرها ناظر الخاصة الملكية مراد محسن باشا، فأرسل لمدير الغربية يطلبه، وذهب له إلى السرايا، فطلب منه أن يحضر إلى القاهرة للمشاركة في إحياء ذكرى رحيل الملك فؤاد 28 أبريل ، ووقع معه عقدا وحضر الليلة بالفعل، وكان شاه إيران أحد الحضور، وبعد الحفل أصدر الملك فاروق فرمانًا بتعيينه قارئًا للقصر الملكى، وتوالت الحفلات الملكية التى أحياها الشيخ مصطفى إسماعيل، واشتهر بعد ذلك بلقب "قارئ الملوك والرؤساء".
الشيخ مصطفى اسماعيل وأسرته
ويروى حفيد الشيخ مصطفى إسماعيل في تصريحات لـ "اليوم السابع"، أن الشيخ درويش الحريرى، الذى كان أستاذا بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية، وكان معروف عنه قسوته في الحكم على أصوات القراء والمبتهلين، حينما ذهب للاستماع للشيخ مصطفى إسماعيل، وقد كان ذاهبا للاستماع إليه ليعلم من هو ذلك الشيخ الذى ذاع صيته، فى وسط التلاوة ومن شدة إعجابه بصوته انفعل في وظل يشكر ويمدح في صوته أمام المستعين، وأعجب بطريقته وأنه أسلوبه جديد فهذا دليل على أن الشيخ مصطفى إسماعيل كان من يسمعه يعجب به في الحال ولا يختلف عليه إثنين، لذلك ذاع صيته مثل البرق.
كان مصطفى إسماعيل، على علاقة وطيدة بكوكب الشرق أم كلثوم، وروى ذلك فى حوار تليفزيونى قائلاً: "أول مرة ألتقى أم كلثوم.. كنت سهران فى سرايا رأس التين وقالوا أم كلثوم بتغني فى النزهة، وبعدما انتهيت ذهبنا لنستمع إليها، وأثناء دخولنا الحفل الناس هللت وهتفت باسمى... والست بعد ما خلصت انزعجت وقالت كان فيه إيه فقالوا لها الناس هللت لقدوم الشيخ مصطفى إسماعيل، فطلبت لقائى"، مضيفًا: " جلست معها وأخذنا نتحدث معا وكانت لطيفة جدا حتى أنها قالت لى هل سمعت آخر نكتة فقلت لها نسمع ، فقالت:" كان هناك شيخ يقرأ فى سرايا وكل فترة يأتون إليه بكوب من اللبن، والشيخ يقول فى نفسه مفيش جاتوه أو أى لقمة، ثم مع آخر كوب لبن قال للسفرجى ادخل يا ابنى قل للست هتفطموا الشيخ محمد امتى؟".
الشيخ مصطفى اسماعيل مع كوكب الشرق أم كلثوم
وتابع الشيخ مصطفى إسماعيل حديثه عن علاقته بكوكب الشرق أم كلثوم: "كانت الست لما تشوفنى تقولى يا شيخنا أو يا استاذنا أنا بنبسط منك جدا"، مضيفا كانت تقولى لى أين تعلمت الموسيقى فأقول لها أنا عمرى ما تعلمت الموسيقى وعمرى ما مسكت عود أو بيانو ولكن هذا من عند الله فكانت ترد وتقول ونعم بالله".
كما كان الشيخ مصطفى إسماعيل على علاقة جيدة مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، والملحن رياض السنباطى، حيث أكد الشيخ مصطفى اسماعيل هذه العلاقة فى لقاء له مع الإعلامى الراحل طارق حبيب قائلاً: "بعض الملحنين زى عبد الوهاب ورياض السنباطى دائمًا ما يقولون لى إننا نستلهم منك ومن القرآن الكريم، وكنت مرة مع رياض السنباطى وكان يلحن أغنية يا ظالمنى وكنت لديه قال أنا آخذ منك وأضع فى المزيكا".
الشيخ مصطفى اسماعيل والموسيقار محمد عبد الوهاب
وحول أسلوب الشيخ مصطفى إسماعيل فى التنقل بين طبقات الصوت، قال حفيده علاء حسنى في حوار سابق لـ "اليوم السابع"، "إنه لا يوجد مقرئ من المقرئين القدامى والحاليين يستطيع استخدام صوته ليبين معانى القرآن سوى مصطفى اسماعيل، فكل المقرئين سخروا القرآن لصوتهم إلا الشيخ مصطفى اسماعيل سخر صوته للقرآن الكريم، وأى مقرئ محدود فى مقامات موسيقية محددة ويقرأ فى حدود حنجرته وهو نوع من الذكاء، وهو لا يمنع أن أصواتهم كانت مميزة، لكن جدى سخر صوته للقرآن، فقد كان يتعامل مع حنجرته كعضلة من عضلات جسمه فيعرف كل تفاصيلها، وكيف ومتى يستخدمها، مضيفًا أن الموسيقيين وعلماء القراءات والتفسير والأحكام الذين تكلموا عن الشيخ وصوته، أكدوا جميعا أنه من الناحية المقامية والحنجرية مبدع من الدرجة الأولى، وأدى بجميع المقامات المتاحة بالكامل، وكلها هبة من عند الله لأنه لم يدرس هذه المقامات، وأنا بقولى هذا لم أتحيز لجدى لكن هذا تاريخ ومتخصصون شهدوا بذلك، أنا مجرد عاشق للشيخ أولا لأنه جدى وثانيا كونى سميع ومقرئ".
اسطوانة للشيخ مصطفى اسماعيل
حصل الشيخ مصطفى إسماعيل على وسام الاستحقاق من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خلال احتفالية عيد العلم فى 19 ديسمبر 1965، وكانت المرة الأولى التى يمنح فيها الرئيس وسامًا لأحد المقرئين بمناسبة هذا العيد، كما منحه الرئيس الأسبق حسنى مبارك وسام الامتياز عام 1985، وكان الرئيس الراحل محمد أنور السادات من المعجبين بصوته، حتى أنه كان يقلد طريقته فى التلاوة عندما كان السادات مسجونًا، وبعد أن أصبح رئيسًا اختاره ضمن الوفد الرسمى أثناء زيارته للقدس، والتى كان زارها قبل ذلك فى عام 1960، وقرأ القرآن الكريم بالمسجد الأقصى فى إحدى ليالى الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، وقرأ فى العديد من الدول العربية والإسلامية، وأيضا فى بعض المدن الأوروبية، حيث زار 25 دولة عربية وإسلامية، كما سافر إلى جزيرة سيلان، وماليزيا، وتنزانيا، وزار أيضا ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
توفى الشيخ مصطفى إسماعيل فى 26 ديسمبر عام 1978، عن عمر يناهز 73 عامًا، تاركًا إرثًا كبيرًا من التسجيلات والتلاوات النادرة للقرآن الكريم مازالت تنقلها الإذاعات العربية.
صحيفة أجنبية تتحدث عن الشيخ مصطفى إسماعيل