كانت مرجريتا سيمونيان رئيسة تحرير قناة روسيا اليوم تدير الجلسة العامة لمنتدى بطرسبورج الاقتصادى الدولى الخامس والعشرين، التى يحضرها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ورئيس كازخستان قاسم جومارت توكاييف، وأمسكت بعلبة العصير الصغيرة، قائلة موجهة كلامها إلى الرئيس بوتين: هذه العلبة عليها صورة فقط ولا توجد عليها ألوان أخرى، لأن الشركات التى كانت تصنع الألوان قد تركت روسيا، ولم يتوقف الأمر عند هذا بل ينسحب إلى الأجهزة الإلكترونية وغيرها من الأدوات التى ستؤثر على حياة الروس؟!
بهدوء شديد رد عليها الرئيس، نحن لا نهتم الآن بأن تكون العلبة ملونة أو حتى بتلك الأجهزة الإلكترونية، فيمكننا أن نصنع غيرها، ويمكننا جلب شركات أخرى من بلاد أخرى تعطينا مثلها، لكن الأولوية بالنسبة لنا هى ألا يهدد أمننا أحد، ونحن نهتم الآن بالتعليم وتطويره وخلق أجيال متعلمة تعليما متميزا.
لم تكن تلك العبارات هى كل ما قاله بوتين، لكنه أسهب فى العديد من القضايا، وربما تكون تلك الجلسة هى أهم وأطول لقاء مع الرئيس الروسى، لكنه بدا واثقا من قوته محددا أهدافه ممسكا بأدواته جيدا.
ما يهمنى فى كل الموضوعات التى تناولها فلاديمير بوتين انه فى وسط أجواء الحرب، والحصار الدولى لروسيا، وانقسام العالم بين فرض عقوبات والتزام بها، وبين تصاعد المشكلات الاقتصادية، وأزمات مزمنة توشك أن توقع بكثير من الدول – وسط كل هذا يتحدث الرئيس الروسى عن قضية التعليم وأهميته، وأن هدفه الآن خلق جيل جديد على قدر رفيع من المعرفة فى شتى المجالات، حتى لا تحتاج روسيا إلى ما يصدره لها الغرب.
لقد وضع يده على أخطر قضية فى هذا العصر، بل وفى كل عصر، وهى قضية التعليم. وماذا يريد المجتمع من أجياله القادمة، هل سيظل متلقى يتطلع تحت أقدامه ليخلق جيلا متعلما، أم هو يريد أن يخلق جيلا مبدعا مبتكرا، ويضع نظاما تعليميا قويا ليخرج أجيالا قوية؟ هل يريد أن يكون أبناؤه مجرد متعلمين مطلعين على مناحى العلم، أم يريد فكرا جديدا خلاقا يسبق كل العالم وتتطلع الدول الأخرى لما يملك من علم وخبره ؟
لم تكن تلك هى المرة الأولى التى يبدى فيها الرئيس بوتين اهتمامه بالتعليم فى بلده، فمنذ حوالى ثلاث سنوات أصدر بوتين قرارًا بربط جميع مؤسسات التعليم العام فى روسيا بشبكات الانترنت فائق السرعة، وإنشاء 15 مركزا للأبحاث والتعليم، منها خمسة مراكز فى مناطق وأقاليم روسية مثل بريموريه وبيلجورد وتيومين. كما أصدر قررا بتطوير استراتيجية وطنية للتقدم فى مجالات الذكاء الصناعى.
لقد وضع بوتين يده على أهم قضية فى أى مجتمع، والحرب لم تعقه عن الاهتمام بهذا الأمر، بل زادته إصرارًا، وها هو يعلن للعالم أجمع انه بصدد الاستغناء عن أى منتج أو شركة أو تكنولوجيا لأنه يستطيع أن يحقق كل هذا محليا.. أليس هذا الرجل يستحق كل احترام؟.