بعث الرئيس جمال عبدالناصر رسالة إلى رئيس مجلس الأمة، البرلمان، تشمل مشروع القانون الخاص بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التابعة له، وطالبه بسرعة عرضها أمام النواب فى 22 يونيو، مثل هذا اليوم، من عام 1961.
كان مجلس الأمة وقتئذ مجلسا فريدا، وفقا لوصف السياسى والكاتب فتحى رضوان، فى كتابه «نصف قرن بين السياسة والأدب»، والسبب «أن هذا المجلس كان يضم ممثلين عن مصر وآخرين عن سوريا، حينما تمت بين الدولتين وحدة 1958-1961، ذابت فيها الدولتان وخلقت منهما دولة واحدة هى «الجمهورية العربية المتحدة»، كان رضوان نائبا فى هذا المجلس عن دائرة «مصر الجديدة» بالقاهرة، ووزير «الإرشاد القومى» بعد ثورة 23 يوليو 1952 وحتى عام 1958، ومن خلال موقعه كعضو فى البرلمان، شارك فى المناقشات، متذكرا أنه كان من النواب السوريين عدد غير قليل ممن درسوا فى الأزهر، أو فى معاهد تشبهه بسوريا، فلما عرض مشروع القانون عليهم، خُيل إليهم أن الأزهر سيمحى من الوجود، وأن الأمر مؤامرة على الإسلام نفسه، وأنهم مطالبون بأن يدفعوا شر هذا القانون بأرواحهم»، يؤكد رضوان، أن الجلسة التى خصصت لمناقشة المشروع، كانت آخر جلسات دورة المجلس السنوية، يقوم بعدها أعضاؤه بإجازة طويلة، فأدى ذلك إلى غضبهم وعلا صوتهم «نواب سوريا»، وارتقى بعضهم المناضد، التى كانت فى قاعة الاجتماع ولوحوا بأيديهم، وانضم إليهم نواب مصريون.
ينقل الكاتب والباحث، الدكتور رفعت سيد أحمد، فى دراسته: «عبدالناصر والأزهر الشريف» شهادة رضوان له حول هذه القضية، قائلا: «لإجبار المجلس على الموافقة، حضر رجال الثورة وجلسوا أمامنا على المنصة، وتحديدا كان على المنصة أنور السادات، وكمال الدين حسين، وكمال رفعت، وعلى يساره اثنان من رجال الأزهر هما محمد البهى، ونور الحسن، وهدد أنور السادات المجلس عندما علت أصوات تعارض المشروع، قائلا: كانت فى 23 يوليو 1952 ثورة، الذين حاولوا الوقوف أمامها ديسوا بالأقدام، واليوم ثورة جديدة وسيصاب الذين يقفون أمامها بنفس المصير.
يؤكد «سيد أحمد»: «تغيب عن هذه الجلسة 179 عضوا، أى حوالى 49% من الأعضاء، ولم يعترض سوى النائب صلاح سعدة».. يضيف «سيد أحمد»، أن القانون أدخل التطوير أشكالا وتنظيمات جديدة على الأزهر كان أهمها، المجلس الأعلى للأزهر، والمجمع العلمى للدراسات الإسلامية، وجامعة الأزهر، وإدارة الثقافة والبعوث الإسلامية، والمعاهد الأزهرية، ونص على تعيين وزير لتصريف شؤون الأزهر بقرار من رئيس الجمهورية، وقصر دور شيخ الأزهر على الشؤون الدينية، وله الرياسة والتوجيه فى كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية فى الأزهر وهيئاته، ويرأس المجلس الأعلى للأزهر، وأعطى القانون رئيس الجمهورية حق تعيين شيخ الأزهر، والحق فى اختيار وكيل للأزهر، ويذكر حلمى النمنم فى كتابه «الأزهر-الشيخ والمشيخة»، أن القانون صدر أثناء تولى محمود شلتوت مشيخة الأزهر، ووسع من جامعة الأزهر بأن أضاف إليها الكليات العملية، مثل الطب والهندسة وغيرهما، وجعل من شيخ الأزهر إمبراطورا بمعنى الكلمة فى اختصاصاته.
وفيما يتهم البعض «إخوان وسلفيين وغيرهم» هذا القانون بأنه أدى إلى إضعاف الأزهر، توجه الدكتور عبدالمعطى بيومى، عضو هيئة كبار العلماء
وعميد كلية أصول الدين الراحل، بالدعاء إلى الله أن يضاعف به حسنات جمال عبدالناصر، ويتجاوز عن زلاته، وذكر فى مجلة المصور«عدد 4423-22 يوليو 2009-القاهرة»: «فتح هذا القانون، لأبناء الأزهر، أن يجمعوا مع تعليمهم الدينى التعليم المدنى بكل علومه، من الطب والهندسة إلى اللغات والعلوم الأساسية والزراعية، وأعاد للثقافة العربية أصالتها، وأعاد للأزهر بعد أن كان جامعا روح الجامعة ونظامها العصرى، ولم يقترب القانون، من الناحية العلمية، المواد والمناهج، وإن كان قد حدث تغيير فيها ولم يصادفه التوفيق، فهذا بفعل القائمين على الجامعة وعلى كلياتها».
أما الشيخ محمد متولى الشعراوى، فكان من أشد المهاجمين للقانون ولعبدالناصر، لكنه فاجأ الجميع بذهابه إلى قبر عبدالناصر، يوم 29 أكتوبر 1995، وحسب قوله لصحيفة الأهرام، التى نقلت صورته وهو يتلو الفاتحة على روح عبدالناصر «الأهرام- 30 أكتوبر 1995»، أنه فى فجر اليوم الذى ذهب فيه إلى الضريح، جاءه جمال عبدالناصر فى منامه، وهو يقدم شيخين معممين إليه، أحدهما يمسك بسماعة الطبيب، والآخر يمسك بمثلث وبرجل، وهما من الأدوات الهندسية التى يستخدمهما المهندس فى أعماله، ففهم من هذه الرؤية أن عبدالناصر يقول له، إنه هو الذى أدخل دراسة الطب والهندسة بجامعة الأزهر، وربما يغفر الله بهذا ما قد يؤخذ عليه.