لم أتعجب من ردود الأفعال الكثيرة على الدعوة التى أطلقتها فى مقال أمس الأول، الأربعاء، بخصوص تجريم تصوير ونشر الجرائم على السوشيال ميديا، كنت أتوقع ردة الفعل، وعلى الرغم من أن حديثى كان واضحا تماما بخصوص تجريم تصوير الحوادث ونشرها، خاصة أن كانت جريمة ذبح شخص، إلا أن البعض اعتبر الأمر دعوة للتعتيم على الجرائم، وهذا أمر بعيد تماما عن الواقع، فمنذ أكثر من مئة عام وقبل ظهور السوشيال ميديا كانت هناك قضية رأى عام هزت مصر والعالم كله وهى قضية السفاحتين ريا وسكينة، لم يصور أحد جرائمهما، ولم تنشر مشاهد ذبحهما للنساء ليشاهدها ملايين عبر الفضاء الإلكترونى، لكن قضيتهما كانت قضية رأى عام، ولم يتم التعتيم عليها، والمتهمتان نالتا جزاءهما.
سأقولها بصيغة أخرى، جميعنا معرض للحادث فى الشارع، من منكم «لا قدر الله» يقبل على نفسه أن يصبح جثمانه المذبوح والملقى على الأرض مادة للنشر والمشاهدة؟ لم أدع لعدم توثيق الجريمة أو الحديث عنها، فقط كانت الدعوة لمحاولة إنقاذ المجنى عليها والستر على الجثمان، والرحمة بوالد المجنى عليها ووالدتها وأهلها وجيرانها وكل من يعرفها وحتى من لا يعرفها من بشاعة المنظر.
حقيقة الأمر أننا لا نحتاج لقانون يجرم تصوير ونشر الجرائم فقط، بل نحتاج للمزيد، نحتاج لإعادة النظر فى مواثيق النشر كلها ليس على السوشيال ميديا وفى الصحافة أيضا.
لا ندعو هنا لعدم النشر أو التعتيم على القضايا، بل ندعو للمزيد من الإنسانية، نعم واجب الصحافة نقل الحوادث ونشر ردة الفعل، لكن لا ينبغى أن نتخذ من أوجاع الناس وانهيارهم ولحظات ضعفهم وانكسارهم مواد إعلامية، فللأموات حرمة، وللحظات الضعف حرمة، وللمجتمع حرمة، وقيم تجب مراعاتها، وللمرة الثانية والثالثة والرابعة، هذه ليست دعوة لمنع النشر، وإنما دعوة للرشد، دعوة لمراعاة الإنسانية، دعوة لعدم إفساد الذوق العام، دعوة للرحمة بالمجنى عليه وأهله، دعوة لاحترام جسد ملقى على الأرض غارق فى دمائه، ورأفة بقلوب وأعين فى لحظات انهيار وحزن على ضياع أعز ما تملك، دعوة لكم جميعا إن رأيتمونى أذبح فى الشارع فقط حاولوا إنقاذى وإن عجزتم فأوصيكم «لا تصوروا ولا ترفعوا على السوشيال ميديا ولا تنقلوا الحزن علىّ ولا تصوروا أمام قبرى، فقط ادعو لى ولأنفسكم وللجانى بالرحمة».