فى بعض أفلام الخيال العلمى، شاهدنا عددا من السيناريوهات تحذر من سيطرة الآلات والروبوتات على البشر، وزاد الشطط ببعض مؤلفى تلك الأفلام ليصل إلى تخيل سيطرة تلك الآلات على الأرض، وتسيدها لها وإخضاعها البشر كعبيد وخدم.
والعجيب أن تلك الروايات التى كنا نحسبها خيالا علميا محضا، وضربا من ضروب الأفكار المحال تحققها، بدأنا نرى شواهد قوية تؤكد أن بعضا من هذا الخيال بدأ يتحقق، حيث أصبحت شبكات الإنترنت والفضاء الإلكترونى والعالم الافتراضى، والذى تمثله مواقع السوشيال ميديا، ديناصورا جائعا يلتهم عقول البشر، ويبطش بإرادتهم، ويتحكم فى تصرفاتهم، ويوجه ميولهم، بما يشاء وكيفما يشاء.
أصبحنا أسرى خاضعين لمواقع التواصل الاجتماعى "السوشيال ميديا"، عبيدا لجهاز كمبيوتر أو هاتف فى حجم كف اليد، مربوطين عقليا بفضاء إلكترونى غير مرئى، مدمنين له ومتأثرين به، يحركنا "الترند"، ويتلاعب بنا شغف "اللايكات"، ونشارك - بدون وعى - معلومات نجهل كنهها ومأربها وهدفها الذى قد يتشابك مع قيم وتقاليد راسخة فى المجتمع.
عندما ظهرت مواقع التواصل كان الغرض منها التواصل بين الناس المختلفين، وإذابة المساحات الجغرافية، وتكوين العلاقات المعتدلة، ومعرفة الآخر، وتعليم ثقافات وعادات وتقاليد الشعوب المختلفة، ولكن الحادث الآن، أن تلك المواقع حادت عن طريقها المرسوم، وباتت مرتعا لكل أنواع التطرف والتعصب، وإيذاء الآخرين، بنشر الشائعات المغرضة، والترويج للمغالطات، التى تؤدى إلى بث الرعب والفزع بين أفراد المجتمع، بهدف جمع اللايكات والتسلق على الترند.
إن اتساع مساحة مواقع التواصل "السوشيال ميديا"، وتعددها، وسهولة التواجد عليها، وعدم وجود رقيب على النشر فيها، جعلها مجالا متسعا لكل من له مأرب وهدف لإثارة البلبلة فى المجتمع، ونشر الفزع بين فئاته، فما أسهل مشاركة معلومة أو خبر، ونشره على اتساع مساحة السوشيال ميديا، دون الالتفات إلى أن هذه المعلومة أو هذا الخبر قد يمس سمعة فتاة، أو أسرة ما، أو حتى قيما وتقاليد مجتمعية راسخة، لا نعطى لأنفسنا بعضا من الوقت للتيقن من صحة وصدق ما نقوم بنشره أو مشاركته على صفحاتنا، بل نلهث وراء الترند واللايكات، وكأن فى ذلك الجائزة الكبرى والفوز الأعظم.
فكثيرا ما نجد شائعات مغرضة، تمس أمن وسلامة المجتمع، تنتشر كالنار فى الهشيم، ويتبرع الكل بإعادة نشرها أو مشاركتها دون أن يتيقن من مصدرها أو من صحتها، ما يؤدى إلى رواج تلك الأكذوبة، وذيوعها، رغم عدم وجود سند حقيقى لها، وآخرها شائعة "دبوس التخدير" الذى انتشر بين صفحات السوشيال ميديا، وتعددت القصص المختلقة، وتفنن الكثير فى نسج الروايات المفبركة لركوب الترند وحصد اللايكات، وكانت النتيجة رعبا كبيرا أصاب المجتمع، وإحجام كثير من الفتيات عن الخروج من المنازل، حتى سارعت وزارة الداخلية بدحض تلك الشائعات، وتفنيدها، وإظهار كذبها واختلاقها.
الخروج من عبودية مواقع السوشيال ميديا، والفكاك من فَكِّها، والكفّ عن إدمانها، كلها تمثّل الحل الناجع لوقف الكوارث التى تتسبب فيها تلك المواقع، وحسنا فعلت مؤسسة "اليوم السابع" السبّاقة دائما فى مساندة الوطن والمجتمع، عندما أطلقت حملة تحت عنوان "خليك واعى"، تدعو إلى إيقاف المُغالطات الدائرة فى هذا العالم الافتراضى عند حد المستخدم نفسه الذى يراها أو يتلقاها، بمعنى أن يُقرر المستخدم عدم إعادة تدوير ونشر ما يراه أمرًا غير سليم أو صحيح، وذلك بدلًا من العمل على ترويجه والتسبُّب فى ازدياد نسبة انتشاره، وذلك فى إطار الحرص على حفظ الذوق العام وتنمية الوعى لدى المواطن؛ بهدف حماية المجتمع من التعرض لمثل هذه الشائعات التى تثير القلق والفزع فى قلوب المواطنين، وما لذلك من آثار سلبية نفسية واجتماعية كبيرة نتيجة نشر الاكتئاب والإحباط، وإحداث فوضى أخلاقية ومجتمعية تضر الجميع، وتؤثر بالسلب على تنمية ونهضة المجتمع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة