" ابكى كالنساء على ملك لم تستطع حمايته كالرجال" .. جملة محفورة في تاريخ الزمان خلدتها الأميرة عائشة الحرة، والدة آخر ملوك الأندلس عبد الله الصغير، الذى سلم غرناطة للملك فرناندو الثانى وإيزابيلا الأولى بتوقيعه اتفاق مع الملك فرناندو الثانى وإيزابيلا الأولى عام 1491 ينص على تسليم المدينة، وتسريح الجيش ومصادرة السلاح رغم رفض المسلمين لهذه الاتفاقية.
اتفاقية أنهت حكم المسلمين في الأندلس، ولم يتبق سوى الأطلال يبكى عليها قراء التاريخ، إلا أن قصر الحمراء بمدينة غرناطة الإسبانية، يقف شامخًا كمسرح للتاريخ السياسيى الذى صمم ليكون حصن يبعث رسالة تخويف للعالم، ولكنه من الدخل درة من درر الأندلس.
بنى قصر الحمراء بروح دفاعية بحتة، بناه المسلمين المغاربة أثناء حكمهم غرناطة بعد سقوط دولة الموحدين ، وكانت أحلامهم متمثلة في إنشاء ما يحاكى الجنة المذكورة في القرآن، التي توصف بأن بها جنات تجرى من تحتها الأنهار، حيث اهتموا ببناء القصر بمساحات واسعة وخضرة كثيرة ونوافير مياه في كل مكان.
و أهم ما يميز الحمراء هو سمات العمارة الإسلامية التي تشمل آيات قرآنية وأبيات شعرية والأدعية واستخدام العناصر الزخرفية وبلاطات القيشاني الملون، واستغرق بناء القصر في 150 سنة، وتم اختياره في عام 2007 ضمن قائمو كنوز إسبانيا الإثني عشر.
وفى كل جدران الحمراء ستجد شعار بنى الأحمر لا غالب الا الله وقصة الشعار تعود إلى وقت دخول القائد العربي أبو عبد الله محمد الأول غرناطة، والشعب رحب به فرد عليهم وقال لا غالب اليوم إلا الله ليتحول إلى شعار بنى الأحمر في كل أنحاء الحمراء .
يقال انه سمى بقصر الحمراء نسبة لبنى الأحمر الذين بنوه ، وهناك قول آخر أنه بسبب استخدام الطوب الأحمر في بناءه، أما الرأي التالث فيعود إلى أن البناء كان في الليل على ضوء المشاعل التي عكست إضاءة حمراء على الجدران .
يتكون قصر الحمراء من أربعة أجزاء وهى قلعة القصبة العسكرية (الجزء الأقدم)، والقصر النصري المذهل (أحدث دفقة من العمارة المغربية)، وقصر الصيف للعريف، وقصر عصر النهضة تشارلز الخام، والحقيقة أن قصر الحمراء هو عبارة عن مدينة صغيرة بأربعة بوابات و 23 برجًا وسبعة قصور ومساكن الخدم وورش العمل والحمامات والمؤسسات التعليمية (مدرسة)والمساجد.
ويمتلئ القصر بالساحات والنوافير، التي تصف نفسها، فهناك فناء يحوى 12 أسد يدعى فناء الأسود أو السباع، و"قاعة الأختين، بالإضافة إلى بهو الريحان .
أساطير وحكايات كثيرة، قيلت عن قصر الحمراء، أشهرها أن على باب العدالة فى أحد مداخل قصر الحمراء محفور يد ومفتاح والاسطورة تشير إلى أنه عندما تصل اليد إلى المفتاح سينهار قصر الحمراء وستكون نهاية العالم، ولكن تبقى الأسطورة الأكثر تأكيدًا وصحة أنه عندما تلمس اليد المفتاح ستعود غرناطة لملاكها الأصلين وهم المسلمون.
أما في قاعة بنى سراح وهم أحد نبلاء قصر الحمراء تخبرنا الأسطورة أن هذه العائلة كانت على خلاف سياسى مع الزناتين والذين قرروا أن يتخلصوا من خصومهم عن طريق مؤامرة ، فخلقوا إشاعة عن وجود علاقة غرامية بين السلطانة ثريا ( المفضلة عند الملك) و أحد رجال بنى سراج ، وأخذت الغيرة السلطان وفى أحد الاحتفالات المقامة فى قاعة بنى سراج أمر بذبح سبعة وثلاثين فارس من بنى سراج ووضع رؤسهم فى منبع المياه الموجود بالقاعة.
أما الحكاية الأشهر عن الحمراء أنه حين سلم آخر حكام غرناطة ، أبو عبد الله محمد للزوجين الملكيين فريناند وإيزابيلا ، فر هو وعائلته إلى الجبال وهناك وقف على هضبة ونظر لقلعته نظرة وداع فقالت والدته الأميرة عائشة الحرة التى كان لها دور في تأخير سقوط غرناطة: "ابكى كالنساء على ملك لم تستطع حمايته كالرجال".
ويشهد القصر على تاريخ أشهر من عمر الحمراء، وهو الأمير أبى الحجاج يوسف الثقفى، الذى تظهر حكاياته على جدان قاعة السفراء أو غرفة العرش، والتي يبلغ سمك جدرانها نحو 3 أمتار، لتبدوا كل نافذة للغرفة أشبه بغرفة مستقلة لوحدها غنية بالزخارف، وصممت لتزرع الرهبة والخوف في قلوب السفراء الذين يمثلوا بلادهم، والكلمات المنحوتة على جدرانه ما بين الترهيب والترغيب فستجد جملة "قليل الكلام يخرج بسلام"، وستجد أيضًا "ادخل بحلم وتكلم بعلم".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة