أهل المحبة.. قصة قصيرة لـ مروة مجدى

السبت، 04 يونيو 2022 09:30 م
أهل المحبة.. قصة قصيرة لـ مروة مجدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اصطحبنى الطفل يس إلى حى "الحسين"، فهو مكان جديد بالنسبة لي، فشعرت هناك بجمال نادر؛ فالبيوت متجاورة حد التلاحم، والشوارع مزدحمة تتسع للجميع، دون ضجر من الفوضى، فمئات الأفراد يتنفسون هواء واحد دون خوف أو قلق، فثمة سحر يخطف الروح يمتزج به رحيق التاريخ وصوت الحاضر، والذى خطف قلبى حقا ما رأيته من مجموعة من الناس يأخذون شكل الدائرة، يذكرون الله كثيرا، تشعر وكأنهم فى عالم آخر، غير مباليين بأى صخب من حولهم، سألت عنهم يس فقال:
- اسمها الحضرة يا فريدة هانم.
- ما سر هذه الطمأنينة؟!!
- الحب 
- وكيف عرفت الحب يا صغير ؟!
- اسمع مولاى الشيخ الكبير، يتكلم عن الحب.
- شيخ ؟! ويتكلم عن الحب ؟!
-هو لا يتكلم إلا عن الحب.
   اقتربنا منهم وجلسنا بجوارهم وهم يرددون الذكر دون ملل أو تعب، لم أجد أى ردة فعل على اقتحامنا الجلسة، سوى ابتسامات خفيفة من المتواجدين، وكلما مر الوقت ازدادت وجوههم نضرة، فيملأها الرضا والسكينة، كيف أتوا بكل هذا الصفاء؟! ألم يؤرقهم شيء فى هذا العالم الصعب، فتجدهم ملتفين حول الشيخ الكبير وهو يذكر الله بهدوء وسكينة، وبين الحين والآخر يهمس مع أحد منهم، وبعدها ترى على وجه المختار منهم نشوة الانتصار لبقائه بعض الوقت بجوار الشيخ السمح.
   لم تكن المرة الأخيرة، فأصابنى سحر رقيق يشدنى نحوهم وشعور بالأمان والدفء، جعلنى اعتاد الذهاب إلى هناك، ولم ينظر إلى الشيخ أو يوجه لى أى حديث سوى فى المرة السابعة.
-ما الذى أتى بك إلى هنا 
-أشعر بالراحة فى هذا المكان.
-ليست الراحة، لكنه الحب.
- خذلنى حبيب العمر وتزوج بأخرى.
- ابتسم الشيخ : ليس هذا .. إنما الحب ماثبت، وكل حب يزول ليس بحب، وكل حب يتغير ليس بحب.
   نسيت همومى على أعتابهم، ولم يبق سوى الحلم الذى طالما حلمت به، الطفل الذى أنتظره يؤنس وحدتى فى الليالى الطويلة، وكلما حدثت مولانا يقول:
_ لم يأن الآوان يا أميرة.
_ كدت أحفظها عن ظهر قلب
_ اتركيه حتى يأتى إليك، ولكن بحب، "فمن دون الحب كل الموسيقى ضجيج، وكل الرقص جنون، وكل العبادات عبء ".
   فصرت أعطى كل من أعرفه، ولا أعرفه حتى عشقت العطاء، وكدت أنسى حلمى القديم حتى شغلنى عنه حلم حقيقى أراه فى منامى كل ليلة، فأرى يس ممسكا بورقة مكتوب بها كلام يخص رجل اسمه "علاء الدين " عاشق هائم فى الملكوت.. ولا مشغول بالعمر يفوت" سألته: من هذا الرجل؟ تركنى وهرول سريعا.
      
         2
   سمعت الجميع يهنئون الشيخ الكبير بحرارة، وأقاموا احتفالاً على طريقتهم، وفرقوا الهدايا والعطايا، بسبب حصول ابنه على درجة الدكتوراه فى تخصص العقم، هنئت الشيخ بهدوء، وفى عينى نظرة لم يفهمها سواه، فهمس لى : هانت يابنيتي
فقلت بحسرة :
_كيف وبيننا وبينه بلاد وبحور.
_ أهل المحبة يلتقون، فكلما ابتعدوا اقتربوا وهمس لنفسه بصوت منخفض كدت ألا أسمعه وقال : أنت القريب بكل ما أوتيت من بعد.
  
  طلب منى عصام أن أستعد سريعا للذهاب إلى المشفى.
_ اسرعى .. لدينا موعد مع الطبيب الماهر، فقد آتى القاهرة ليوم واحد.
_ أجمع الأطباء بأننى لم أنجب مطلقا فخلقنى الله برحم طفلة، أنا لدى رحم " طفيلي"
_ فريدة.. أرجوك .. الطبيب فى انتظارنا.
  استغرقت العملية وقتا طويلا وبعد الإفاقة، رأيت عصام بجانبى وبجواره فتاة جميلة قبلتنى من جبينى بحنان وهنئتني، ولمحت الطبيب يخرج من الغرفة، ناديت عليه وحاولت أن أشكره، لم يسمعني، حاولت القيام، فأعادنى عصام فى لهفة، لا تقومين، خطر عليك.
أريد أن أشكره فقط فقال عصام " قلبه منور زى الماس، غرقان فى آلامه وبيداوى فى جروح الناس" فعدت إلى سريرى باستسلام لأننى أدركت أنه حلم !!
صحوت من نومى لاكتشف أننى نمت يوما كاملا ورغم ذلك لم أشعر بالراحة مطلقا، فثمة تكسير عنيف فى جسدي، ودوار شديد، اتصلت بعصام وطلبت منه البقاء بجوارى لأننى لست على مايرام. 
 
          3
 
اتصل بى الشيخ مولانا الكبير، وطلب منى أن أعتنى بنفسى جيدا، وأخبرنى أنه سيسافر عند ابنه " علاء الدين" وطلب منى المداومة على حضور جلسات الذكر، ومنح العطايا، كأنه لازال موجودا بيننا، وأخبرنى أنه انتهى من بناء المسجد وأصبح جاهزا لاستقبال الجميع، ودعانى إليه، ثم اختتم حديثه معى بهذه العبارة التى لم أفهمها إلا بعد عدة أيام، عندما ذهبت إلى المسجد الجديد، فقال : احمدى الله على النعمة التى تسرى فى جسدك الآن" .
   ذهبت إلى المسجد ووجدت الصحبة جميعها هناك، يجلسون فى الساحة الكبيرة يرددون الذكر الجماعى ويدعون بحرارة كما اعتادوا دوما، ولكنها المرة الأولى التى أرى فيها وجوههم شاحبة وأعينهم تنظر إلى الأرض تحاول الاختفاء حتى تتوارى الدموع المسروقة، فرإيت السواد يغيم على المكان، لم يلتفتوا إلى عند دخولي، وكأن كل منهم يحمل فى قلبه هموم العالمين، لم ينقذنى أحد من الحيرة ولحظات الرعب هذه، سوى عم رضوان حارس المسجد.
_ ألم تعلمى حتى الآن ؟؟!
تمنيت ألا ينطق بها أبدا وأخذت دقات قلبى تتصارع بقوة، وكأن قلبى سيتوقف، وكأنها آخر لحظاتي، فظللت أصرخ وأبكى فقط دون توقف وتمنيت لو ينتهى كل شيء الآن، فانتابنى دوار شديد وفقدت الوعي، وعندما أفاقنى وجدت عصام بجانبى يبشرنى بأن نتيجة التحاليل ٱيجابية للمرة الأولى منذ عشرة أعوام !!
   لم أشعر بنفسى إلا وأنا أبكى بحرقة فلماذا الآن ؟! لماذا الآن حدثت المعجزة، أتبشرنى وترحل إلى الأبد؟!! الحزن يتملكنى مثل شاش وقطن لا أستطيع التنفس، أو الخروج من هذا القيد، فلم تنجح أى عبارات التهدئة من جميع الحاضرين حتى قطع هذه الحالة العجيبة العم رضوان حارس المسجد، فأبلغنى أن الشيخ الكبير ترك لى رسالة قبل وفاته، نزعتها منه بلهفة وشعرت بنور طفيف يتخلل عقلي، فتحت الرسالة على الفور ،" لا تنزعجى من الموت يا أميرة ؛ فهو الطريق الوحيد لاكتمال النعيم، فيكفى الجلوس بجوار الحبيب دون حجاب، لا تغلقوا المسجد اكملى الطريق مع ابنى علاء الدين" 
 
   سألت العم رضوان هل عاد الدكتور علاء الدين ؟ وقبل أن يرد وفى برهة قصيرة ربت شخص على كتفي، التفت خلفى لأجد شابا بشوشا، دققت فى وجهه كثيرا لادرك أنه الطبيب الشاب الذى أجرى لى العملية فى الحلم الطويل، وضعت يدى على فمى من عظم المفاجأة، ولم أستطع النطق، ابتسم الشاب ينظر إلى وكأنه يعلم ما بداخلى فقال لى : " أهل المحبة يجتمعون كلما أرادوا ؛ فالأرواح هائمة فى الملكوت تتلاقى كيفما تشاء، وقتما تشاء دون قيد زمان أو مكان... يا أميرة".
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة