يقف النجم الراحل محمود عبد العزيز والذي تحل ذكرى ميلاده هذه الأيام في منطقة فنية تخصه وحده، فهو جمع بوسامته وخفة ظله مواصفات فتى الشاشة الأولى، ومع ذلك لم يدم تقديمه لتلك الأدوار أكثر من خمس سنوات تقريبا حين تمرد في مطلع الثمانينات على كراكتر الشاب الوسيم الذي حصره المخرجون في أدوار الوسيم"سمير" على حد تعبيره في أحد البرامج التلفزيونية، حتى لعب شخصية الدكتور عادل في فيلم العار 1982 ذلك المتردد الخائف بشكل لا ينساه الجمهور، ثم فاجيء الجميع مرة أخرى ولعب دور الأب ذو الشعر الأبيض في عام 1983 في العذراء والشعر الأبيض، وكذلك فعل في فيلم تزوير في أوراق رسمية عام 1984
كان يمكن لمحمود عبد العزيز أن يجني أرباح وسامته من دموع سخينة على وسادات المراهقات اللاتي يشاهدن أفلامه وإيرادات ضخمة في شباك التذاكر، لكنه كان أول المتمردين على وسامته قبل أن يعلق ناقد على ذلك، البعض يعتبر منحة الوسامة سبب النجاح غير أن محمود عبد العزيز جعل من الوسامة سر التألق والأدوار المبهرة حين تمرد على شكله وملامح الجذابة ليقدم أدوارا يستحيل معها أن تتخيل أن من يقدمها هو ذلك الشاب الجميل، من ينسى أبو كرتونة أو المعتوه أومزاجنجي، وغيرهم من الشخصيات التي كانت تتطلب شكلا قبيحا للشخصية، في ظني أن محمود كان أول ناقد فني لنفسه، وأول من حمل لواء التغيير ضد ملامحه مخافة أن تحصره في نماذج وقوالب سابقة التجهيز، ذلك الواسواس القهري الذي يصيب الفنان الحقيقي وهو مخافة أن يُحبس أو يُسجن في أنماط شخصية معينة طبقا لملامحه الخارجية، فلم يستمريء النجاح والنجومية التي تحققت في سنواته الفنية الأولى نتيجة أدواره الرومانسية، بل غامر بهذا النجاح، بلعب أدوار شخصيات متعددة بعيدة كل البعُد عن التنميط، ولا يفعل ذلك سوى قلب جسور ملكه الساحر محمود عبد العزيز فملك قلوبنا بأعماله التي تتميز بالصدق الشديد، تشعر معه بأنه الشخصية التي يلعبها ذاتها، تنسى الفنان ويبقى الكراكتر الذي يلعبه هذا الفنان، فهو الشيخ حسني فقط لا غيره في رائعة داوود عبد السيد الكيت كات، وهو عبد الملك زرزور في إبراهيم الأبيض، وهو الفلاح القراري أبو المعاطي شمروخ في البشاير، وهو محفوظ زلطة في باب الخلق، وهو رأفت الهجان وهو الساحر. ومثل أي ساحر فهو يستطيع أن يتقلب بين الشخصيات بسهولة ويسر، ويكون عقلية طيعة مع المخرجين المميزين لذلك تجده يتصبغ بحسب المخرج الذي يعمل معه فمع رأفت الميهي قدم فانتازيا سحرية في سلسلة افلام سيداتي آنساتي والسادة الرجال وسمك لبن تمر هندي.
مع داود عبد السيد قدم الصعاليك والكيت كات وجسد من خلالهما رحلة صعود الصعاليك لقمة السلم الاجتماعي في الصعاليك والعجز المجتمعي في الكيت كات.
ومع المخرج علي عبد الخالق والسيناريست محمود أبو زيد قدم ثلاث تجارب فنية مميزة وذات طبيعة خاصة وشخصيات لا ينساها الجمهور وذلك في أفلام العار والكيف وجري الوحوش.
كنت أسوق هذه التجارب المتباينة والمدارس المختلفة التي تعامل معها الفنان الكبير محمود عبد العزيز لأؤكد إنه مثل النحل الذي ينتج عسلا وشخصيات مختلفة ألوانها فيه سعادة للناس والجمهور، وذلك في كل مرة يتعامل مع زهرة فنية مختلفة، وبالمناسبة الاستاذ محمود عبد العزيز حاصل على ماجستير في تربية النحل بعد تخرجه في كلية الزراعة.
اصرار محمود عبد العزيز على التخلي عن دور الجان في السينما منحه ثلاثة أفلام في قائمة أعظم مائة فيلم في تاربخ السينما المصرية وهي أفلام: العار مع علي عبد الخالق، والبريء مع عاطف الطيب، والكيت كات مع داوود عبد السيد.
في النهاية لن ننسى يوما رأفت الهجان ولا مزاجنججي ولا الشيخ حسني ولا أبو هيبة ولا عبد الملك زرزور ولا توفيق شركس ولا أحمد أبو المحاسن ولا أبو المعاطي شمروخ ولا محمود عبد العزيز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة