أخطر ما منيت به مصر فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، هو الاحتلال البريطانى، لكن يظل الخطر الأعظم هو الاحتلال العثمانى لمصر منذ عام 1517، فقد غير الكثير من هويتها، لكنه لم يقتل الهوية الوطنية، التى ظلت تقاوم وتقاتل مستمدة روح المقاومة الباسلة، لدى المصريين عبر التاريخ.
منذ عام 1882 كانت فكرة الاستقلال وإنهاء الاحتلال محور أى عمل وطنى، سواء كان هذا الاستقلال سياسياً أم اقتصادياً، وخلال فترة حكم أسرة محمد على سعى المصريون، للاستقلال بكل الصور من التفاوض وحتى الصدام، وكانت الخطوة الأولى، التى أرستها ثورة 1919، هى إنهاء الاحتلال العثمانى لمصر، وتحقق ذلك الهدف بسقوط الخلافة، وإعلان استقلال مصر التام فى 15 مارس عام 1922.
وصف البعض هذا الاستقلال بأنه "استقلال منقوص"، لأنه - رغم كل ذلك - جاء مع بقاء الاحتلال البريطانى جاثماً على صدور المصريين، ما فجر الصراع، وتصاعد الكفاح ضد المحتل حتى منتصف القرن العشرين.
وعالمياً اتخذ الصراع بُعداً آخر بعد الحرب العالمية الثانية، تمثل فى تراجع الإمبراطورية البريطانية، وظهور القوة الجديدة المتمثلة فى الولايات المتحدة الأمريكية، وتمددت طموحاتها وأحلامها فى الهيمنة إلى منطقه الشرق الأوسط.
بعد أقل من مرور عام كامل على ثورة يوليو، أعُلن النظام الجمهورى فى يوم 18 يونيو 1953، بقرار من مجلس قيادة الثورة، وبرضى شعبى غير مسبوق، وعليه فقد أُلغى النظام الملكى، وانتهى نهائياً حكم أسرة محمد على، وقامت الجمهورية الأولى اعتباراً من هذا التاريخ.
شهدت الجمهورية الأولى تعاقب أربعة رؤساء هم: محمد نجيب، جمال عبد الناصر، أنور السادات، حسنى مبارك.
ظلت جمهورية يوليو قائمة طوال هذه العقود حتى يوم 11 فبراير من عام 2011، بعدما انهارت دعائمها بانطلاق شرارة ثورة 25 يناير.
وسط هذه الأجواء ظل حلم الجمهورية الجديدة يراود المصريين، خاصة بعدما وصلت جماعة الإخوان الإرهابية إلى سدة الحكم باستخدام أساليبها المشبوهة وبيعها للأوهام، مستندة على مخطط دولى جرى إعداده، للهيمنة ليس على مصر، ولكن المنطقة بأكملها.
خلال أقل من عام كانت النار مازالت تحت الرماد والغضب لازال مسيطراً، وكانت بوادر الثورة قائمة وأسبابها منطقية، فاشتعل فتيلها يوم الثلاثين من يونيو عام 2013، وخرج المصريون ليعلنوا فى أكبر زحف عبر التاريخ، رفضهم للإقصاء ويدعون لاستعادة وطنهم السليب من هذه الجماعة المارقة، وقوى الظلام التى تحاول تدمير الهوية المصرية.
كان أمام الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة - آنذاك - خيارا واحدا فقط، وهو إعلان انحياز الجيش لمطالب الشعب، وإنقاذ الأمة المصرية كامتداد طبيعى للدور الوطنى للجيش المصرى عبر التاريخ.
فى هذا التوقيت كان لدى السيد الرئيس مشروعاً وطنياً لبناء دولة حديثة مدنية ديمقراطية، وعلينا هنا أن نفرق بين الجمهورية الجديدة والدولة الحديثة.
مصر الآن لديها مشروع وطنى لبناء الدولة العصرية، التى تليق بتاريخها وعمقها الحضارى، فالدولة الحديثة الأولى بدأت منذ عهد محمد على، ثم ظهر المشروع الوطنى لتأسيس الدولة الحديثة، فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر وانتهى فى يونيو عام 1967.
الجمهورية الجديدة ليست مجرد مشروعات طرق أو بناء مدن جديدة أو انتقال لمؤسسات الدولة إلى عاصمة إدارية.
الجمهورية الجديدة هى جمهورية المواطنة والتسامح والمساواة والمشاركة والتنمية السياسية وإقامة حياة ديمقراطية سليمة.. وهو ما تسعى إليه الدولة المصرية الآن.
sherifaref2020@gmail.com
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة