تحت إضاءة حمراء خافتة، يبدأ عازفو الجيتار الغجر فى أسبانيا، فى عزف مجموعة من الألحان ببراعة مصحوبة بتصفيق منتظم من مجموعة أخرى من الموسيقيين، وكذلك الضرب على آلة الكاجون، تبدأ بعدها راقصة مرتدية فستان الفلامنكو المزركش، وتضع فى شعرها الوردة الملائمة للون الفستان، ترفع يديها فى شموخ، وترسم الألحان بكعب حذائها، رافضة الابتسام نهائيًا وكأن روحها منجذبة للألحان غير واعية بأى من كان حولها، لتعلن أنها فى حضرة الرقصة الأكثر حزنًا وهى الفلامنكو.
يعود أصل كلمة فلامنكو حسب "بلاس إنفانتي"، إلى " فلاح منكو" أى فلاح منكم، وهم الفلاحون الموريسكيون الذين أصبحوا بلا أرض، فاندمجوا مع الغجر وأسسوا ما يسمى بالفلامنكو كمظهر من مظاهر الألم التى يشعر بها الناس بعد إبادة ثقافتهم، لكن البعض يربط اسم هذه الموسيقى بطائر الفلامنكو الوردي.
ولدت فنون الفلامنكو وكانت غنائيات تتميز بالحزن والاكتئاب كتعبير عن الظلم الاجتماعى ومشاق الحياة والبؤس العام، ويؤكد الغجر على أنهم أساس هذا الفن، ولكن الحقيقة وفقًا للأبحاث والدراسات التى قدمتها شبكة نيرمى الإعلامية، أنهم ساهموا ولعبوا دورا هاما فى تطور الفلامنكو، ولايمكن أن نغفل عن تأثير الموسيقى العربية الشعبية والرقصات الأندلسية على الفلامنكو.
وتأثر الفلامنكو كثيرا بالإيقاع الشرقى البيزنطى والأغنية الأندلسية البدائية ويظهر هذا فى فلكلور عدة قرى بالقرب من غرناطة والتى كان يسكنها الموريسكييون وهذا النوع من الغناء يدل على مدى تاثر الفلامنكو بالأغنية العربية القديمة ومدى التشابه الكبير بين الأغنية الأندلسية والفلامنكو.
ويحتفظ الفلامنكو إلى الآن بجذوره الشرقية، كالاعتماد على الحنجرة فى الغناء والطابع الشرقى فى تأليف الموسيقى الذى يعتمد على الهارمونى العربى مثلما هو شائع فى العزف العربى على العود، وترجع هذة الأصول العربية لوجود العرب المسلمين فى الأندلس قرابة ثمانية قرون؛ فقد جلب العرب معهم ألحاناً ومقامات وإيقاعات وآلات وموسيقاهم من الشرق والموسيقيين العرب الذين وفدوا على الأندلس على رأسهم زرياب.
وتوصلت جميع الأبحاث إلى نتيجة واحدة وهى أن هذا الفن الفلكلورى الغنائى الموسيقى أصله عربى أندلسي، يعتمد على النجوى والشكوى إضافة إلى الفرح واللهو السعيد.
وأعلن الفلامنكو عن نفسه فى القرن الـ18 وتشير كثير من الدراسات إلى أن هذا الفن مرتبط بالغجر وبثقافات أخرى تعايشت فى المنطقة ومن بينها الثقافة المورسكية ذات الأصول العربية الإسلامية إضافة إلى الثقافة الإسبانية المحلية وتطور بفضل الغجر.
وبعد رفض الطبقة الراقية الأرستقراطية لذلك النوع من الغناء ظل الغجر والأرياف هم المؤدون الأساسيين له وبحلول عام 1850م أصبح افلامنكو أحد التسالى المشهورة بكل حانات الغناء بمدن مثل كاديز، وجيريز، وملقة، وإشبيلية وفى وقرى ومدن أُخرى فى الأندلس.
وتمزج رقصة الفلامنكو بين مشاعر الحب والإثارة، الحزن والغضب والعاطفة الفياضة، وتندمج فيها الموسيقى مع الرقص والأغانى لتصبح شكلاً فنياً متفرداً وطاغياً.
وصفت منظمة العلم والتربية والثقافة التابعة للأمم المتحدة (اليونيسكو) هذه التعبيرات العاطفية التى تثيرها الآلات الموسيقية وتعبيرات الوجه والإيماءات والحركات والتألم والأصوات المبحوحة للفلامنكو، بأنها مزيج من الحزن والفرح والأسى والابتهاج والخوف.
وفى عام 2010 أدرجت منظمة اليونيسكو رقصة الفلامنكو فى قائمتها للتراث الثقافى المعنوي، ومنذ ذلك الحين تم إعلان يوم دولى رسمى للفلامنكو للاحتفال بهذا الفن، ويوافق 16 نوفمبر من كل عام.
وفى الرقص تكون الأمور مختلفة تمامًا، وتكون الطقوس متحررة فى بداية الرقصة تكرس بشكل قوى للنساء ويلحق بهن الرجال بشكل تدريجي، كما أن رقص النساء يحث المغنى على قول قصائد الغزل ويتيح حفل الرقص للغجريات فرص مهمة للتغير من الوضع الاجتماعى لهن.
ويختلف أداء الراقص عن الراقصة فى بعض الحركات العنيفة عند الراقص التى تعبر بقوة عن العنف مما يجعل الراقص الماهر يثير الإعجاب على الرغم من مكانته الثانوية فى حفل الرقص فى ظل مكانة المرأة التى تهيمن عليه.
وتعبر راقصة الفلامنكو فى رقصها على الكبرياء والأنفة من خلال حركة الذراعين والقدمين مترجمة أحاسيسها الداخلية بحركات سريعة وقوية كالتصفيق والضرب بالقدمين وشموخ الهامة فى كل الإيقاعات وتعتمد الراقصة على حركة الأطراف الأيدى والأرجل.
الرقصة فى المقام الأول تكون ارتجالية تلقائية تتم بشكل تلقائى ويعتمد فيه الراقصين على إحساسهم ولا توجد راقصات شهيرات أقل من عمر الثلاثين عامًا، لان إتقان الرقصة يحتاج للخبرة والنضج وأيضًا يحتاج للحس الفنى، وتعتمد أيضًا على إضافة حركات اليدين والقدمين والذراعين على القوة والعنفوان وشدة العواطف والانفعالات، حيث تخلق الرقصة إيقاع معقد بتقنية حركة معقدة بتحريك الأجساد الراقصة فى وقت واحد بانسجام على إيقاعات الموسيقى، والإيقاعات الصوتية وحركة الرقص السريع وشدة الأصوات المنبعثة من ضربات القدم، كما أن العنف هو الذى يغذى الرقصة كما أن الراقصون الرجال هم الأكثر قدرة على تمثيل الإيقاعات السريعة أكثر من النساء.
وتعد ماريا باجيس أشهر راقصات الفلامنكو، حيث أسست عام 1990 شركة تحمل اسمها لتدريس فنون الفلامنكو والرقص والتقاليد الموسيقية الإسبانية، فيما تستمر راقصة الفلامنكو الأشهر فى إسبانيا والعالم فى إبهار الجماهير برقصها الاحترافى ورشاقتها المذهلة، رغم اقترابها من عامها الستين.
كما أن هناك مرسيدس دى كوردوبا التى تنحدر من عائلة اشتهرت برقصة الفلامنكو، وكانت تشارك فى عالم الرقص منذ الرابعة من عمرها، وفى السادسة كانت قد تعاونت بالفعل فى فيلم «Montoyas y Tarantos»، وتلقت مرسيدس فنون الرقص على يد الراقصة الشهيرة آنا ماريا لوبيز، وفى عمر الـ17 انتقلت مرسيدس إلى المدرسة الثانوية للفنون المسرحية للرقص فى قرطبة، وحصلت على درجات ممتازة، ثم انتقلت إلى المعهد الموسيقى فى إشبيلية، وانضمت إلى فرقة الباليه الكلاسيكى التابعة للمعهد، لتنطلق بعد ذلك فى عالم الشهرة، والاستعراض بين ساحات الرقص العالمية.
وقد ولدت فنون الفلامنكو وكانت غنائيات تتميز بالحزن والاكتئاب كتعبير عن الظلم الاجتماعى ومشاق الحياة والبؤس العام ويدع الغجر على أنهم هم اساس هذا الفن ولكن الحقيقة انهم ساهموا ولعبوا دورا هاما فى تطور الفلامنكو ولايمكن أن نغفل عن تأثير الموسيقى العربية الشعبية والرقصات الأندلسية على الفلامنكو وتأثر الفلامنكو كثيرا بالإيقاع الشرقى البيزنطى والأغنية الأندلسية البدائية ويظهر هذا فى فلكلور عدة قرى بالقرب من غرناطة والتى كان يسكنها الموريسكييون وهذا النوع من الغناء يدل على مدى تأثر الفلامنكو بالأغنية العربية القديمة ومدى التشابه الكبير بين الأغنية الأندلسية والفلامنكو.
وأعلن الفلامنكو عن نفسه فى القرن الـ 18 وتشير كثير من الدراسات إلى أن هذا الفن مرتبط بالغجر وبثقافات أخرى تعايشت فى المنطقة ومن بينها الثقافة المورسكية ذات الأصول العربية الإسلامية إضافة إلى الثقافة الإسبانية المحلية وتطور بفضل الغجر.
وابتداء من خمسينات القرن الماضى شق الفلامنكو طريقة للغرب وعم انتشاره عالميًا ليحتل مكانته بجانب انماط الموسيقى التقليدية والغنائيات الراقية وفنون الأداء الحركى.