لم يعد خافيا أن العالم يواجه تحولات كبرى لا تتعلق فقط بالحرب فى أوكرانيا والتى تنعكس على الاقتصاد والتجارة والطاقة والغذاء، لكنها تتعلق بتحديات وجودية، فقد اجتمعت لأول مرة تأثيرات التغير المناخى مع فيروس كورونا، وأخيرا حرب أوكرانيا، لتنعكس على أنظمة الأغذية والزراعة فى واحدة من أكثر موجات التضخم خلال قرن كامل، لدرجة أن تقريرا لمنظمة الأغذية والزراعة «فاو» يتوقع موجات إضافية من الجوع والفقر.
ومن هنا يمكن اكتشاف أهمية التحركات المصرية، وجولات ولقاءات الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كل من ألمانيا وصربيا، وأوروبا، وما طرحه بكلمته فى قمة جدة، حيث يؤكد الرئيس على أهمية أن يلتفت العالم إلى ما يواجهه، وأن يسعى إلى خفض التوترات، والدفع نحو حلول سياسية للصراعات، والتفرغ لمواجهة التحديات، وأهمية تعزيز التعاون والتضامن الدوليين فى التصدى للأزمات العالمية الكبرى والناشئة، كقضايا نقص إمدادات الغذاء، والاضطرابات فى أسواق الطاقة، والأمن المائى، وتغير المناخ، ومواجهة تداعياتها لبناء الاستقرار والتنمية.
وترى مصر أن العالم لم يكد يخرج من تأثيرات جائحة كورونا، ثم الحرب فى أوكرانيا حتى وجد نفسه أمام التغيرات الحادة للمناخ، والتى تنعكس فى صورة حرائق وجفاف وفيضانات، وسجلت درجات الحرارة أرقاما قياسية فى دول أوروبية، أشعلت حرائق فى غابات إسبانيا والبرتغال والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وغيرها، وهى حرائق التهمت مساحات من الغابات، وأسقطت عشرات القتلى فضلا عن الخسائر المادية.
وحذر عدد من الخبراء أن موجات الحرارة أصبحت أكثر تواترا وشدة وأطول أمدا بسبب تغير المناخ الناجم عن النشاط البشرى، وقالت وزيرة البيئة الألمانية شتيفى ليمكى إن أزمة المناخ تعنى أن بلدها وأوروبا سيتعين عليهما إعادة التفكير فى استعداداتهما للطقس شديد الحرارة والجفاف والفيضانات.
خبراء المناخ يقولون إن تغير المناخ تظهر تأثيراته أسرع فى أوروبا، عن أى مكان آخر فى الكوكب، بسبب انتشار نسبة كبيرة من انبعاثات الكربون والغازات الأخرى، التى تحبس الحرارة، وتدفعها إلى الارتفاع، وتجعل من أوروبا نقطة ساخنة لموجات الحر، وارتفعت درجة حرارة العالم بالفعل بنحو 1.1 درجة مئوية منذ بداية العصر الصناعى وستستمر درجات الحرارة فى الارتفاع ما لم تقم الحكومات فى جميع أنحاء العالم بإجراء تخفيضات جذرية فى الانبعاثات، وكل هذه التحديات تفرض على العالم التعامل بجدية أكثر من السابق، وأن تسعى إلى تقليل الانبعاثات والتراجع عن سياسات أدت الى هذا الحال الخطر.
من هنا تأتى أهمية إدراك العالم، خاصة الدول الصناعية الكبرى، لخطورة الاستمرار فى ترك الأمر دون تدخلات، ويضاعف هذا من أهمية مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ الذى تستعد مصر لاستضافته فى نوفمبر المقبل، وفى زيارة الرئيس السيسىلأوروبا والتى بدأها بزيارة ألمانيا ثم صربيا، فى وقت تتضاعف فيه تأثيرات التغيرات المناخية، التى أصبحت تمثل تهديدا للمستقبل، بتأثيراتها على الزراعة والمياه، حيث شارك الرئيس فى منتدى حوار بيترسبرج للمناخ، وتحدث بوضوح عن رؤية مصر فى مواجهة التغيرات المناخية، والذى يعد محفلا مهما، للتداول فى كيفية تنسيق الجهود الدولية، لتحقيق تقدم ملموس حول هذه القضية، التى تمثل التحدى الأبرز لمستقبل البشر، هذا فى ظل استعدادات مصر الجارية لاستضافة القمة العالمية للمناخcop 27 فى «شرم الشيخ» نوفمبر المقبل.
ولم يعد تغير المناخ قضية هامشية أو تتعلق بالترف، لكنها تمثل أزمة وجودية تهدد الكرة الأرضية بأكملها، وهى تأثيرات تأتى فى وقت تنعكس تأثيرات الصراع فى أوكرانيا، على الأمن والاقتصاد وتفرض تحديات سياسية واقتصادية، مع صعوبة رسم سيناريوهات فى وقت تظهر مؤشرات متشائمة فى الاقتصاد وأسعار النفط والغاز والغذاء، ومن هنا تأتى أهمية مساعى مصر للدعوة إلى إنهاء الصراعات ومواجهة جماعية لتهديدات وجودية للعالم، ورسائل يحملها الرئيس من جدة إلى أوروبا والعالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة