كان المشهد قبل 30 يونيو مُفزعًا، مُخيفا، مُنذرا بتفكيك دولة تمتدّ جذورها بعمر التاريخ. شعب يئن ويتألّم من ظروف اقتصادية طاحنة، وأزمات لا تنقطع فى الوقود والغذاء والأمن والكهرباء والسلع الأساسية. استقرار بات ضربا من الخيال، سياسة خارجية فاشلة، تعامل بائس مع قضية حيوية بحجم "سد النهضة" ما أثّر على مصالحنا وأضحك عليهم الداخل والخارج، وفى القلب من كل ذلك جماعة نفعيّة تسن أنيابها وسكاكينها، وتحشد أنصارها وأبواقها؛ من أجل الاستفراد بالوطن كاملاً، وترسيخ مخططها للاستيلاء على مفاصل الدولة.
حاول تنظيم الإخوان بشتّى الطرق، وبمُساعدة عملاء من الخارج، وتمويلات من دول كارهة لمصر وسلامها واستقرارها، وساعية إلى محو شخصيتها وهويتها التاريخية ووجهها الحضارى، سعيًا إلى أحلام مريضة بالتقدّم والزعامة الإقليمية أو تأسيس ما يسمّونه "دولة خلافة"، تتغوّل على المجتمعات والبشر ولا تعترف باستقلال أو حدود، ويأتمر فيها الجميع بأمر المرشد لا الدستور ولا القانون، ولا يرى فى مصر وغيرها من دول المنطقة التى كانت مستقرة وسالمة سوى ولايات تابعة ضمن المخطط الجهنمى الأسود.
قفزت الجماعة الإرهابية على مكتسبات ثورة 25 يناير، وتسلّقت أكتاف الشباب الوطنى فى الميادين مستغلّة حماسهم ومساعيهم المخلصة لتغيير وجه مصر للأفضل، فاستطاعت الجماعة النفعية الوصول إلى سدّة الحكم فى ظرف تاريخى مرتبك، عبر أكاذيب سياسية ودعاية ملوّنة ووعود زائفة داعبت أحلام البسطاء وتلاعبت بآمال الشباب، وتدثّرت زورا بعباءة حلم الثورة، لكنها بمجرد الوصول إلى السلطة كشّرت عن أنيابها، وظهر وجهها بصورته الحقيقية الفجّة، فتنكّروا للجميع حتى من تحالفوا معهم أو عملوا فى خدمتهم، وبدوا أبعد ما يكون عن تحقيق حلم الثوار والشعب، وأنهم طامعون فى الانفراد بالمشهد وساعون إلى التكويش والسيطرة على مفاصل الدولة، وتنفيذ مطامع مؤسس الجماعة حسن البنا فى الهيمنة على مصر، وإخضاع شعبها لإرادة التنظيم سعيًا إلى ما يسمّونه "أستاذية العالم" كمكافئ لفكرة الخلافة؛ لذا أبعدوا الكفاءات وحاربوا الوطنيين واستهدفوا المؤسسات، من أجل إخلاء الساحة لأعوانهم ومؤيديهم، وفى سبيل ذلك رأينا تصريحات متغطرسة، وممارسات متجاوزة، وتهديدا بقتل كل معارض وتكميم أى صوت يعلو تعبيرا عن المعاناة أو رفض حكم الجماعة، وهكذا رسّخت الفرز والاستبعاد والهيمنة، ولم تتحرك خطوة واحدة باتجاه مصالح مصر والمصريين.
لم يكن أمام الشعب سوى الخروج إلى الميادين فى ثورة شعبية عارمة اجتاحت ربوع مصر، متسلحا بجسارته وشجاعته، ومدافعا عن هويته وتاريخه قبل أن يطمسه التنظيم أو يشوّه ملامحه، لم ترهبه التهديدات، ولم يقف الخوف حائلا يمنعه من استعادة بلده وإنقاذه من الاستقطاب والتشرذم، وإقصاء غالبية الفئات لصالح فئة واحدة ضالة ومُضلّة، تتبنى القتل والعنف سلاحا ضد الجميع وتُلبس هذا الانحراف لباسا دينيا.
نزل المصريون بالملايين إلى الشوارع ليتنفسوا الحرية من جديد، رافضين تكبيلهم بتابوهات وأسوار من صنع الجماعة النفعية المُتسلطة. كان عموم الشعب يريدون تغيير حاضرهم، ورسم صورة مضيئة للمستقبل، وكان الرهان على القوات المسلحة ووقوفها إلى جانبه حفاظا على مصر من خطر الفقد والضياع، أو محنة التشظى والتقسيم، أو فظاعة التبعية والانسحاق، وتسلّح فى سبيل ذلك بتاريخ يحفظ متانة العلاقة بين المجتمع وجيشه، وانحياز القوات المسلحة الدائم للشعب ومصالحه العليا، وهو ما حدث بالفعل عبر تلبية الجيش للنداء، وحسمه الجاد فى مواجهة العنف والإرهاب وما أشاعته جماعة الإخوان من فوضى وجرائم، فقدّم ملحمة خالدة من الصمود والصبر والفدائية، غيرت مجرى أحداث التاريخ، وأرشدت سفينة مصر بقيادة المشير عبد الفتاح السيسى وقتها، فى وقت تعالت فيه الأمواج وتلاطمت وساد الارتباك والفوضى، لكننا نجحنا بفضل الله والقوات المسلحة وقيادتها الوطنية وتضافر قوى الشعب خلف قيادتهم فى العبور إلى بر الأمان، ما دفع ملايين المصريين من كل الأطياف والفئات إلى مطالبة السيسى بأن يستكمل ما بدأه، ويتحمل المسؤولية الوطنية كاملة، ورغم ثقل التكليف وضخامة التحديات فإنه لم يخذل المصريين، واستجاب للنداء، وبدأ منذ اليوم الأول لتوليه الحكم فى العمل الجاد، ومصارعة الوقت ومحدودية الإمكانيات، من أجل إصلاح ما فسد خلال أكثر من 3 عقود عانت فيها مصر من ترهل البنية التحتية، وتآكل القدرات الاقتصادية. بدأ الرئيس السيسى وضع مسارات وركائز سليمة ومستقرة للنجاح، وواصل الليل بالنهار طوال 8 سنوات دون هوادة، وعلى كل الجبهات وفى كل الملفات، حتى بدأت مصر تجنى ثمار العمل المضنى، فى صورة إنجازات ملموسة ومشروعات عملاقة وأرقام إيجابية فى النمو والإنتاج والاحتياطى والميزان التجارى ومؤشرات البطالة والتضخم، فضلا عن دبلوماسية ناضجة وديناميكية ساعدت على ترميم علاقاتنا الخاجية بعدما كانت مهترئة، كما دارت عجلة المصانع المتوقفة وحدثت طفرة اقتصادية غير مسبوقة، وربما لم ترها مصر فى تاريخها الحديث.
بالتزامن مع تلك الطفرة، راعى الرئيس السيسى البُعد الاجتماعى، وكان شغله الشاغل مصلحة المواطن المصرى، فجاءت مبادراته النوعية مثل "تكافل وكرامة" التى سترت ملايين المصريين وأعادت إحساس العزة والطمأنينة إلى كل من عانى العوز والفاقة، ثم مبادرة حياة كريمة التى أضاءت حياة الملايين من أهالينا فى القرى والمدن على امتداد خريطة مصر، ناهيك عن النجاح فى علاج ملايين المصريين من "فيروس سى" والطفرة الصحية التى أحدثتها منظومة التأمين الصحى الشامل ويراها القاصى والدانى.
سيطول المجال إذا حاولنا رصد محطات المسيرة، والحديث عن كل الإنجازات التى شهدتها مصر، وحققها الرئيس السيسى خلال السنوات التالية لثورة 30 يونيو. لكن يكفينا فخرا أن تلك الثورة أنقذت مصر، وأنقذت المنطقة بكاملها من سيناريوهات التركيع والتقسيم، وأعادت لشعوب المنطقة سيادتها على بلدانها، وأحبطت مخططات قوى إقليمية ودولية وجماعات إرهابية وعميلة للاستيلاء على الحاضر ومصادرة المستقبل. راهن المصريون على وطنهم ومؤسساتهم، وربحوا الرهان، وربحت مصر أيضا.