حصير السمار.. حرفة يدوية تزدهر بروادها رغم خطر الاندثار.. شعبان محمد آخر رجال الحرفة في الدقهلية.. 60 عاما تغزل يداه الحصير لتوفير حياة كريمة لأبنائه.. أنقذ المهنة بالشقاء والعمل وصدر منتجاته لليبيا والسعودية

الأحد، 03 يوليو 2022 11:30 ص
حصير السمار.. حرفة يدوية تزدهر بروادها رغم خطر الاندثار.. شعبان محمد آخر رجال الحرفة في الدقهلية.. 60 عاما تغزل يداه الحصير لتوفير حياة كريمة لأبنائه.. أنقذ المهنة بالشقاء والعمل وصدر منتجاته لليبيا والسعودية عم الشحات صانع الحصير
الدقهلية – مرام محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ببشرة بيضاء تظهر عروقها النافرة، وابتسامة صافية تروي القلوب بالقناعة والرضا، ويد لم تعترف بالعجز واليأس والهرم، يجلس فنانا سبعينيا مغمورا ليثني ساقيه متربعا أعلى نول الحصر بسطح منزله الذي لا يتعدى بضع أمتار ويحتضن أشكالا مختلفة من الحصر، التي تبدو وكأنها لوحات فنية منسية من تاريخ البسطاء والعظماء، تأسرك فور رؤيتك لها، فلا تستطيع أن تحول عينيك من عليها، كل ما تفعله أنك تترك عينيك تستمتع بذلك الجمال، وما يصنعه ذلك الرجل الذي يقبع مع صديقه بين أعواد السمار والحصر، يمارس مهنته التي عمل بها منذ طفولته بكل دقة واقتدار، يمرر أعواد السمار واحدا تلو الآخر بين خيوط متوازية ليصنع إبداعا طالته يد النسيان.

لا يكترث عم الشحات محمد، بالتطورات الحديثة التي طرأت على مجال صناعة الحصر في العالم والتي أثرت سلبا على صناعة حصر السمار التقليدي اليدوي، الذي أصبح تداوله نادرا يقتصر ظهوره على المعارض والمساجد والمناطق السياحية، أو لما يبذله من جهد وعمل لساعات طويلة يصارع خلالها شقاء العمل وصعوبته، فهو لا يزال يحافظ على أصول مهنته العتيقة من الزوال، والتي خاض غمار رحلتها منذ الصغر وفنى أعوامه محافظا عليها ومجددا فيها؛ لإحيائها وكسب قوت يومه.

يمضي أغلب ساعات يومه يحيك مع صديقه الحصر يدويا بمهارة وإتقان، يستخدون الأدوات نفسها التي كانت بحوزة آبائهم وأجدادهم منذ عقود، فبتناغم وانسجام وسرعة متناهية ينسجا سويا أعواد السمار بخيوط الكتان المشدودة بين طرفي النول الأفقي، ذهابا وإيابا حتى ينتهيان من نسج لوحتهما الفنية البديعة والمبهجة، يتذكر خلالها رحلة كفاحه التي دامت لأكثر من ستين عاما في فناء صغير، حافظ خلالها على مهنة صناعة الحصير البلدي، ظل وفيا ومخلصا لها، يكافح بعزيمة وإصرار وتحد رغم اندثارها وتراجع عائدها وقلة المقبلين عليها بعد انتشار حصير البلاستيك ومسايرة التطور؛ ليوفر لأبنائه الأربعة حياة كريمة.

وفي هذا الصدد، قال الشحات محمد لـ"اليوم السابع"، إنه عمل في مهنة صناعة الحصير البلدي منذ طفولته، فبعد أن توفت والدته في السادسة من عمره، شجعته شقيقته على أن يعمل ويكافح في مهنة صناعة الحصير ليعتمد على ذاته ويتمكن من الإنفاق على نفسه وتعلم مهارة وحرفة تعينه على أن يستقل بذاته ويبني مستقبله، مشيرا إلى أنه فنى حياته في المهنة، وظل يعمل بها حتى وقتنا هذا كونها مصدر رزقه الوحيد.

وتابع أن صناعة الحصير ليست حرفة تقليدية، بل هي فن وإبداع من نوع خاص، تحتاج للمهارة والخبرة والدقة في العمل، حيث يتم خلالها نسج وحياكة أعواد السمار واحدة تلو الأخرى بين خيوط الكتان على شكل سطور منتظمة متساوية الطول والسمك وشدها على النول، حتى الانتهاء من صناعة الحصيرة بالمقاس والشكل المطلوب، حيث تبدأ رحلتهم من الحصر بتجهيز المواد الخام المستخدمة فى الصناعة من أعواد السمار التى يحصلون عليها من جوانب الزراعات والمسطحات المائية وحواف الطرق السريعة، وخيوط الكتان، ثم يقوم بتقطيع الأعواد لأطوال مختلفة وتقسيمها وترتيبها وفقا لأطوالها، وبعدها يقوم بغمرها بالمياه فى أحواض مخصصة حتى تحصل الأعواد على الرطوبة المطلوبة ولا تنكسر أثناء صناعة الحصير، وبعدها يتم شد خيوط الكتان على النول الذي يتكون من قطعتين خشبيتي مثبتين بالأرض بأعمدة صغيرة تشد تلك القطع الخيوط الرقيقة عبر ثقوب بها، لتبدأ بعدها نسج أعواد السمار وتركيبها واحدة تلو الأخرى بين الكتان بشكل متجانس ومنظم، وضرب كل صف من السمار بقوة بلوح خشبي يسمى "المضرب"، حتى الانتهاء من صناعة الحصيرة بالمقاس المطلوب.

وأوضح أن أعواد السمار يتم نسجها واحدا تلو الأخر على شكل سطور منتظمة متساوية الطول والسمك، ثم تجمع في حزم صغيرة في أماكن بها تهوية بعد تركها لفترة في المياه حتى يتحول لونها للون الأصفر، ويتم ربط نهاياتها بعقد تثبتها وتضفى عليها رونق جمالى خاص، مضيفا أن فى حالة طلب الزبون الحصيرة بنقوش وزخارف معينة كرسم رسومات أو أشكال هندسية أو جمل وكلمات، يقوم بإدخال أعواد السمار التى قام بتلوينها باستخدام الصبغات الطبيعية وحياكتها بين أعواد السمار غير الملونة وخيوط الكتان وفقا للشكل والرسمة التى يريدها، مؤكدا على أن الحصير كان جزءا أصيلا وأساسيا من أسلوب حياة المصريين قديما، وصناعته كلوحة فنية يتم تشكيلها وإبراز تفاصيلها ومعالمها بواسطة رسام فنان وماهر، يعبر بإمكانياته ومهاراته عما يجيده من فن وإبداع.

وأشار إلى أن المهنة أصبحت مهددة بالإنقراض وتنحصر في قرى ومناطق بعينها، بعد أن كانت من المهن الرائدة والمتربعة لفترة طويلة على عرش الصناعات والحرف اليدوية، موضحا أن بعد ظهور الحصائر البلاستيكية والسجاد والموكيت والاعتماد بشكل أساسي على المفروشات الحديثة التي تواكب التطور والموضة، وعدم إقبال الشباب على تعلمها وامتهانها، بدأت تندثر على غرار العديد من الحرف اليدوية الأخرى، فضلا عن صعوبة الحصول على المواد الخام المستخدمة في الصناعة وخاصة السمار الذي بدأ يتناقص في ظل تناقص الأراضي الذي ينمو فيه واستصلاحها أو البناء عليها.

وأكد على أن حصير السمار يتمتع بالعديد من الفوائد الصحية، حيث تعرف بدورها في علاج آلام الظهر وأمراض الربو، وترطيب وتلطيف الجو، فتمتص الحرارة وتوفر الدفء شتاءا وتحتفظ بالبرودة صيفا، مشيرا إلى أن بالرغم من جودتها وشكلها المميز وتكلفتها المنخفضة مقارنة بالمفروشات الحديثة إلا أن كثيرين عزفوا عن شرائها واستخدامها متجهين إلى الحصائر البلاستيكية التي يرتفع ثمنها عن الحصر التقليدي اليدوي، مشيرا إلى أن للحصر أشكالا واحجاما وألوانا مختلفة حسب استخداماتها، فمنها ما هو كبير الحجم الذي يستخدم كبسط للأرضيات في المنازل والمساجد والشاليهات، ومنها ما يستخدم للزينة أو كديكور على الحوائط والجدران.

واختتم حديثه قائلا: إنه فخور كونه نجح فى الحفاظ على حرفة تراثية أصيلة، كافح فيها طيلة حياته دون كلل أو ملل ونجح في الوصول بمنتجاته للعديد من الدول العربية كليبيا والسعودية، واستطاع أن يعلم ويكبر أبنائه منها، مؤكدا على أنه سيواصل عمله فى صناعة الحصير البلدى لآخر نفس فى حياته.

أقدم-صناع-الحصير-في-الدقهلية
أقدم-صناع-الحصير-في-الدقهلية

 

تصنيع-الحصير-يدويا
تصنيع-الحصير-يدويا

 

شعبان-محمد-أقدم-صناع-حصير-السمار-في-الدقهلية
شعبان-محمد-أقدم-صناع-حصير-السمار-في-الدقهلية

 

صناع-الحصير-في-الدقهلية
صناع-الحصير-في-الدقهلية

 

صناعة-الحصير-على-النول-يدويا
صناعة-الحصير-على-النول-يدويا

 

صناعة-الحصير-يدويا-باستخدام-نبات-السمار
صناعة-الحصير-يدويا-باستخدام-نبات-السمار

 

صناعة-حصير-السمار-حرفة-يدوية-تواجه-خطر-الاندثار
صناعة-حصير-السمار-حرفة-يدوية-تواجه-خطر-الاندثار

 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة