فى بداية الستينات يكتب الأديب عبد الحميد جودة السحار رواية "أم العروسة" التى تتحول إلى فيلم بنفس الاسم عام 63، من بطولة عماد حمدى وتحية كاريوكا وسميرة أحمد ويوسف شعبان وحسن يوسف، وإخراج عاطف سالم، وفى الرواية يرصد السحار بقلمه وعاطف سالم بعدسته وبحوار عبد الحى أديب التحولات الاجتماعية فى المجتمع المصرى من خلال نشوء الطبقة المتوسطة المتجسدة فى أسرة الموظف حسين أفندى مرزوق وزوجته زينب وأولاده السبعة، والحياة الاجتماعية خلال تلك الفترة فى زمن الستينات وصعود طبقة جديدة حافظت على التماسك الاجتماعى ومكتسبات يوليو رغم بعض الضغوط التى كانت تتعرض لها.
وفى بداية السبعينات يكتب السحار الجزء الثانى من أم العروسة باسم "الحفيد"، لتصبح فيلما أيضا تم عرضه عام 74، بطولة عبد المنعم مدبولى وكريمة مختار وميرفت أمين ونور الشريف ومحمود عبد العزيز ومنى جبر. ليستمر فى الرصد الاجتماعى فى إطار كوميدى لما طرأ على الأسرة فى زمن السبعينات والتى يمكن أن يمتد بها إلى بدايات الثمانينات بعد أن كبر الصغار، وأصبح لكل فرد فى العائلة طموحه الذى يتناسب وطبيعة التحولات فى تلك المرحلة، وزيادة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والأعباء المعيشية على الأسرة التى تمثل الطبقة الوسطى فى المجتمع والتى بدت وكأنها تودع السلم الاجتماعي.
ربما لم يمهل العمر أديبنا عبد الحميد جودة السحار ليستكمل "الثلاثية" بعد أم العروسة والحفيد، وكانت تستحق جزءا ثالثا فى إطار الرصد الروائى للحياة الاجتماعية للأسرة المصرية فى أزمنة مختلفة. فقد رحل أديبنا عام 1974.
من هنا تأتى أهمية العرض المسرحى "الحفيد" الذى يقدم على المسرح القومى حاليا وأهمية مشاهدته، وهو ما يستحق التحية الواجبة على الجرأة والشجاعة لتقديم عمل اجتماعى سبق وشاهده الملايين حتى الآن، وتفاعلوا مع أبطاله فى فيلم أم العروسة والحفيد. فمن يجرؤ على القيام بدور حسين مرزوق-عماد حمدى ومدبولي- وزينب- تحية كاريوكا وكريمة مختار- على المسرح وما الجديد الذى ستقدمه المسرحية بعد أن استهلكت سينمائيا وتليفزيونيا؟.
بشكل شخصى أشفقت على القائمين بالعرض قبل مشاهدته، فالمسألة تحتاج إلى جرأة وشجاعة لا تتكرر كثيرا من مخرج ومعد العرض لتقديم رؤية معاصرة جديدة تستلهم من الروايتين والعملين السابقين روح الدراما الاجتماعية، وتحافظ على النسق والأداء والبعد النفسى والتطور الزمنى لشخصياتهما ثم تقديمها فى عرض مسرحى يستوجب استدعاء عناصر المتعة والترفيه والضحك والكوميديا والدراما أيضا، حتى يتفاعل معه جمهور المسرح الذى يكتب شهادة النجاح منذ اللحظة الأولى للعمل الفنى على عكس جمهور السينما والتليفزيون.
فى الحقيقة وبدون مجاملة وبعد أن شاهدت العرض وما قام به صاحب الرؤية الجديدة، وهو فى نفس الوقت مخرج العرض وأحد أبطاله الشاب الواعد جدا يوسف المنصور، كانت لديه الجرأة والفن والإبداع فى المزج بين الروايتين بطريقة الفلاش باك لمسيرة أسرة حسين أفندى مرزوق وأولاده وأحفاده فى صورة دراما اجتماعية لا تخلو من الكوميديا فى كثير من الأحيان، ثم الانطلاق بتلك الرؤية إلى الواقع المعاصر. فقد قام المنصور بتقديم رؤية تصورية لمسيرة الأسرة بعد وفاة الأب ونضج الأحفاد وزواجهم فى زمن "البزنس" و"الإنترنت" وثورة التكنولوجيا والبحث عن الثراء السريع مع سقوط وانهيار الطبقة الوسطى بعاداتها وبقيمها وأخلاقها، وهو ما مثلها الرائع "عابد عنانى."
أظن أن المسئولية كانت كبيرة على عاتق المخرج حتى لا تفلت خيوط العمل بتفاصيله الدقيقة من بين يديه، ويشعر الجمهور بالضجر والملل والارتباك، فقد كان واعيا فى المزج والتخيل وكأنه قدم الجزء الثالث لأم العروسة والحفيد باسم العريس أو الجدة مثلا وأمسك بخيوط العمل المسرحى لتحقيق رؤيته وصياغته لواقع الأسرة فى الزمن الحالى بتوظيف كوميدى.
عرض الحفيد حقق نجاحا مبهرا وكانت سعادتى بالغة عندما رأيت الجمهور يملأ جنبات المسرح القومى العريق، بما يعنى أن الجمهور المصرى يسعى للأعمال الجيدة التى تحمل رسالة ومضمونا اجتماعيا لصراع الأجيال عبر أزمنة سياسية واجتماعية مختلفة.
المخرج يوسف المنصور يستحق الإشادة على تجربته الشجاعة ورؤيته الجريئة فى الغوص بالفلاش باك المسرحى إلى بدايات التكوين للأسرة، واستطاع فى النهاية أن يقدم الرسالة الاجتماعية والفنية للعرض.
النجاح المبهر لعرض الحفيد ساهم به كافة عناصر العمل المسرحى الجيد الذى يستحق أن يشاهده الجمهور المصرى كافة من أسوان إلى مطروح، فقد توفر له طاقم فنى من فنانين رائعين فى المقدمة منهم الرائعة " لوسي" التى استطاعت إعادة اكتشاف قدراتها الفنية على خشبة المسرح، واستطاعت أن تجذب وتمتع الجمهور بأدائها السلس البسيط والمتدفق الذى عرف عنها منذ بدايتها فى ملحمة "ليالى الحلمية". لوسى تثبت أن النضج الفنى له مكانته واعتباره وأن الفنان الشامل الموهوب يتوهج فنيا فى كل مرحلة عندما يجد العمل الجيد والممتع، سواء كان فى السينما أو التليفزيون أو المسرح، فقد قدمت لوسى شخصية " زينب " بجدارة واقتدار دون الدخول فى مقارنات، وتمكنت بالإمساك بروح الشخصية وتطوراتها الزمنية والنفسية.
أما عابد عنانى فقد قدم كعادته الأداء السهل الممتنع طوال العرض سواء بالأداء الدرامى الذى أبكى المشاهدين أو بالكوميديا التى أضحكتهم. وتألق الفنان الدكتور علاء القوقة فى أداء دور الأب حسين وقبله الفنان تامر فرج، علاوة على أبطال العرض من الشباب وأبناء المسرح القومى وعلى رأسهم، محمد مبروك، شيريهان الشاذلي، يوسف المنصور، رنا خطاب، زينب العبد، محمود عبدالرازق، نشوى على عبدالرحيم، ندا عفيفي، وعبدالبارى سعد وعادل عفر.
ورغم بعض الأخطاء البسيطة فقد جاء الديكور مناسبا لأحداث العرض وأزمانه المختلفة، وأيضا الإضاءة والموسيقى والملابس والتوظيف الغنائى فى العرض وخاصة أغنية المشهد الختامى جاء مناسبا وموفقا.
عرض الحفيد يستحق القائمون عليه الشكر والتحية نظرا للمجهود الكبير من طاقم العمل وأبطاله الذين استطاعوا جلب الماضى واستلهامه بروح العصر وتأثيراته على عادات وتقاليد الأسرة المصرية ودق ناقوس الخطر.
وأخيرا التحية لمدير المسرح القومى الفنان إيهاب فهمى الذى يقدم تجربة جديدة تستحق الدعم من قيادات وزارة الثقافة وخاصة فكرته باستخدام الحجز الإلكترونى للعروض المسرحية المقدمة على المسرح القومى، لتسهيل عملية الدخول والمشاهدة للجمهور.