العلاقة بين الفن والتاريخ علاقة عضوية متبادلة، فمنذ القدم أيقن دارسو الأدب والفن، أن التاريخ أحد أهم المصادر التى استمد منها الفن مادته عبر مختلف العصور، سواء كان سيرة شخصية بطولية أو التاريخ الأسطورى لأحد الشعوب، فقرأنا القصائد الملحمية التى روت ذلك التاريخ، وشاهدنا اللوحات والتماثيل التى صورته، ومن ناحية أخرى، فإن كل عمل فنى، قديم أو حديث، مرآة تعكس بشكل أو بآخر أحد جوانب التاريخ الذى صاحبها، والحضارة التى أبدعتها، وكأنها تذكارات أو "ممورابيليا" لمختلف الحضارات الإنسانية.
كتاب ممورابيليا
وإلى جانب ما يحتويه كتاب "ممورابيليا" من مختارت من المجموعة الفنية للكاتب الكبير محمد سلماوى وزوجته الفنانة نازلى مدكور، الصادر عن دار الكرمة للنشر، تتمثل فى اللوحات العالمية، والمصرية، والشخصية، ومقتنيات الخزف والنحت، والحفر والرسم والتصوير الضوئى، والسجاد والمنسوجات، يعرض الكتاب جانبا مهما يتمثل فى الكتب والوثائق، الذى يكشف لنا كيف أن مسيرة الإنسان تكتب بما يتركه من أثر فى ميادين الفن والفكر والإبداع، حسبما تقول الدكتورة ماجدة سعد الدين، الأستاذة بأكاديمية الفنون، والتى قامت بتوثيق هذه المقتنيات.
خراط ووثائق فارسية من مقتنيات سلماوى
وفى هذا الجانب تضم مقتنيات محمد سلماوى ونازلى مجموعة من الكتب والمخطوطات والوثائق عبر رحلة ممتدة فى الزمان والمكان، فيطلعنا الكتاب على كتاب شرح قصيدة العلامة سعيد الدين التفتازانى المختوم والمؤرخ فى جماد الآخر لعام 1044، ثم نسير بالزمن فنصل إلى جزءا من النوتة الموسيقية للسيمفونية التاسعة لبيتهوفن مدونة بخط يده، والتى كانت مهداة إلى الكاتب الراحل توفيق الحكيم من أحد أصدقائه عام 1938، وأهداها "الحكيم" إلى محمد سلماوى شقيق زوجة ابنه، ومن بيتهوفن إلى الروائى الإنجليزى تشارلز ديكنز ومجلدات أعماله الكاملة، الصادرة فى سبعة عشر جزءا فى أوائل القرن العشرين بغلافها الجلدى الرائع، ثم إلى جان كوكتو الشاعر والكاتب المسرحى لنقرأ هذا الخطاب المحرر بخط بديه قبل وفاته بيومين.
ومن العالمية إلى المحلية، نسير فى الزمان حتى نصل إلى ثلاث قصص للأطفال بيد الأديب الراحل توفيق الحكيم (1898-1984) التى كان قد سجلها بصوته فى ستينيات القرن العشرين وصدرت بعد وفاته بحوالى عشرين عاما مصحوبة بالتسجيل الصوتى، وقصيدتان للشاعر الراحل نجيب سرور (1932-1978) بخط يده بعنوان "الخامس عشر من آذار إلى الأبد" موقعة باسمه فى 20 سبتمبر 1977، و"تداعيات السكر والضياع.. قصيدة انتحارية" موقعة باسمه فى 22 سبتمبر 1977، وهما من أواخر ما كتب الشاعر حيث توفى فى العام التالى مباشرة، وأغلب الظن أنه كتبهما فى مستشفى الأمراض العقلية الذى توفى فيه، وقد حصل محمد سلماوى على هذه القصائد من شهدى الابن الأكبر لنجيب سرور.
قصائد أمل دنقل غير المنشورة ضمن مقتنيات سلماوى
وعلى مستوى المحلية العالمية أيضا، نجد خطاب الأديب الأكبر نجيب محفوظ (1911 – 2006) فى استلام جائزة نوبل، كما كتبه بخط يده فى تسع صفحات، والذى قام بترجمته إلى الإنجليزية الكاتب الكبير محمد سلماوى، كما قام بقراءته نيابة عنه فى الأكاديمية الملكية السويدية فى ستوكهولم فى 12 ديسمبر عام 1988، والقصة منسية لعميد الرواية المصرية والعربية نجيب محفوظ (1911 – 2006) بعنوان "الكرة" نشرت مرة واحدة عام 1939، فى مجلة "الرواية" التى كان يصدرها أحمد حسن الزيات، ولم تظهر بعد ذلك فى مجموعات نجيب محفوظ القصصية.
ثم يعود بنا الزمن إلى القرن السابع عشر فنطالع خريطة بلاد فارس لرسام الخرائط الهولندى الكبير فيليم بلاو مؤرخة فى عام 1643، وأخرى لقارة آسيا رسمها الألمانى يوهان هومان فى القرن الثامن عشر، وثالثة لبريطانيا لرسام الخرائط الفرنسى غليوم دو ليل، فنرى العالم من عل، ثم تأخذنا المقتنيات إلى زمن الشاه محمد غازى أحد أباطرة المغول الذين حكموا الهند، ومن فرمان الشاه إلى بلاد فارس إلى الحجج الشرعية المنسوخة بخط اليد فى مصر فى القرن الثالث عشر الهجرى، ومنها إلى أورشليم القدس لنطالع كتاب أمجاد مريم البتول المطبوع فى دير الرهبان الفرانسيسكانيين عام 1879 ونستحضر نورانية الكلمات التى تسطع من ثانيا صفحاته القديمة.
كتاب ارتفاعه 10 سم من مقتنيات سلماوى
وفى نفس السياق، نطالع كتاب للابتهالات الدينية المجلد بسن الفيل فى القرن التاسع عشر، ثم نسرى فى الزمان إلى القرن العشرين، لنستحضر أعدادا كبيرة من الصحف القديمة التى توقف بعضها عن الصدور بعد أن ظلت سجلا حيا لحياتنا اليومية، فنرى عددا من جريدة المقطم يحمل تاريخ 24 ديسمبر عام 1942، ومجلد لأعداد السنة الأولى (1926) من جريدة السياسة الأسبوعية، بالإضافة إلى مجلدات مجلتي المصور وآخر ساعة، ومن السياسة إلى الحرب، حيث نطالع كتابا تذكاريا نادرا عن الحرب العالمية الأولى، وقد صدر فى باريس عام 1924، ثم نطالع تصميم صلاح عبد الكريم (1925 - 1988) الذى أعده للتنفيذ بالحديد والنحاس المطوق فى مهو الجديد لجريدة الأهرام عام 1968 ولم ينفذ، وقد اقتناه محمد سلماوى من استديو الفنان وأهداه عام 2022 إلى متحف الجريدة.
وبالعودة إلى الكتب، نطالع كتابا صغيرا لا يزيد ارتفاعه عن 10 سم، وهو كتاب مزامير وأناشيد دينية yerkaran، وقد طبع بالأرمينية فى مطبعة بويادجيان فى القسطنطينية عام 1892، ويوجد نسخة أخرى طبق الأقل من نفس الكتاب ونفس الطبعة التاسعة فى المكتبة الوطنية الأرمينية فى العاصمة بريفان.
مقتنيات الصحافة والمجلات المصرية فى كتاب ممورابيليا