يونان سعد يكتب: تراجع جيوش الغرب

السبت، 09 يوليو 2022 09:00 م
يونان سعد يكتب: تراجع جيوش الغرب يونان سعد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحرب الأوكرانية الروسية، ليست هذه هي الحرب الأولى التي يظهر فيها الغرب بمظهر العاجز عن مواجهة أعدائه الحقيقيين، لكنها بانت جلية هذه المرة أكثر من أي وقتٍ سابق أن جيوش أمريكا وفرنسا والمملكة المتحدة بكل عتادها العسكري العظيم لا تستطيع إلا مناوشة أعداء وهميين مخترعين من الخيال وضعفاء، أما القوى التي تشكل خطراً حقيقياً على مركز الغرب وسلطته فهي في أمانٍ تام.
 
لم تتخطى جهود حلف الناتو والحملات الإعلامية الواسعة ضد روسيا مرحلة السجال الكلامي والمناوشة والتهديدات التي يصعب تنفيذها على أرض الواقع، وهكذا جرت هذه المناوشات أوروبا وحدها لمسلسل سريع تمارس فيه القارة العجوز عرضاً حصرياً بالتعري أمام العالم، جرَّبت أوروبا سلاحاً فتاكاً تلو آخر حتى تعرت تماماً من كافةِ أسلحتها، وفجأة انكشف الوضع الحقيقي لأوروبا مقارنةً بقوى عالمية أخرى. 
 
فشل حل تزويد الجيش الأوكراني بالسلاح، كبد هذا الأمر ميزانيات الاتحاد الأوروبي تكلفة عملاقة دون أن يثني روسيا عن المضي في تنفيذ  عزمها على الأراضي الأوكرانية، ثم كان الحل الثاني (العقوبات الاقتصادية) السلاح الذي نجح كثيراً في سحق المارقين والمتمردين على الهيمنة الغربية، وبحسب تقارير الاتحاد الأوربي فإن أوروبا قد تكبدت وستتكبد خسائر اقتصادية من جراء العقوبات الاقتصادية التي فرضتها بنفسها على روسيا، خسائر أكبر حجماً من نظيرتها على الجانب الروسي، وبحسب تقارير جريدة التايمز البريطانية  ف "إن موسكو تكسب الحرب الاقتصادية التي شنها الغرب"، أما مارياني عضو البرلمان الأوروبي فقد أطلق تصريحاً مرعباً وجهه لقادة أوربا أثناء جلسة للبرلمان الأوروبي انعقدت في الأسابيع الماضية:  "أعتقد بأنّكم تجرّوننا نحو كارثة اقتصادية وجيوسياسية من خلال سياسة العقوبات التي لا يريد أحد الالتزام بها خارج الغرب".
 
وهكذا لم يتبقَ في يد الغرب سوى الورقة الأخيرة، الدخول في صدامٍ عسكري مباشر ضد روسيا، لكنها لن تقدم على هذه الخطوة أبداً، لأسباب بديهية تماماً، لن يدخل الغرب في مواجهة مباشرة أبداً مع دولة تمتلك قوة نووية مكافئة لقوته النووية، وقد عرف الثعلب الماكر "فلاديمير بوتين" ذلك في وقتٍ مبكر للغاية قبل أن يقدم على هذه الحرب، وكان بإمكانه أن يتأكد من صحة هذه النظرية ببساطة من سلوك الولايات المتحدة وحلف الناتو مع قوى نووية أضعف من روسيا مثل إيران وكوريا الشمالية، ربما قال لنفسه "حينما تمتلك سلاحاً نووياً فإن أقصى ما سيفعله الغرب ضدك هو المناوشات الكلامية والحرب الإعلامية الباردة. 
 
إذا ما تطورت الأمور إلى أقصى حد، فإن أقصى ما سيفعله الغرب هو أن يقدم على حرب بالوكالة في بلدان ضعيفة ومتآكلة لا المواجهة العسكرية المباشرة مع القوى النووية، وهذا هو ما حدث في أوكرانيا، حرب بالوكالة لم يستطع الغرب أن يجازف فيها بأكثر من السلاح والعقوبات الاقتصادية الفاشلة. 
 

الروس من جديد 

لقد انهزم الاتحاد السوفييتي من قبل بطريقة الحرب الإعلامية الباردة وخلخلة مفاصل الدولة ببطء وحروب بالوكالة في مناطق متفرقة على أطراف الإمبراطورية السوفييتية مثل أفغانستان وفيتنام، لكن هذه الطرق لم تعد ناجعة اليوم، لأسباب عديدة، من بينها أن الروس قد تعلموا الدرس جيداً واستخدموا نفس الآليات التي قوض بها الغرب دولتهم في السابق، بدايةً بالتحكم البطيء في مصادر الطاقة التي يعتمد عليها الغرب (الغاز الطبيعي والطاقة النووية) وصولاَ إلى الدفع برؤساء فاشلين علي سدة الحكم في الغرب (ترامب هو أبرع مثال على ذلك). 
 
ما حدث في أوكرانيا هو حرب بالوكالة كما يعلم الجميع، بدأ الناتو بمغازلة الحكومة الأوكرانية (لجر شكل) روسيا من ناحية، ولتهديد حدودها الجغرافية من جهة أخرى، لكن ما حدث هو أن الغرب قد اصطنع بهذه الطريقة مشكلة هو نفسه لا يستطيع حلها، على غرار المشاكل التي اصطنعها في فيتنام وأفغانستان والعراق وسوريا ولم يستطع حلها أيضاً، وهكذا أجبر  الغربيون روسيا على الدخول في حرب بالوكالة على أرض أوكرانية، الحرب التي راح ضحيتها الآلاف من الضحايا الأوكران والروس، لقد خسر الجنس السلافي من أوكرانيا وروسيا آلاف الأرواح، لكن ولغرابة الأقدار فإن الخاسر الحقيقي في هذه الحرب كان الغرب نفسه. 
 
لكن ليست روسيا وحدها هي التي هزمت الغرب، فقد هزم الغرب نفسه منذ أن استسلم لمرحلة طويلة وبطيئة من الانحسار الحضاري، نُشِرَ عنها عدة مقالات على صفحة اليوم السابع، وهذه الهزيمة الأخيرة ليست إلا عرض واحد من أعراض هذا الانحسار الحضاري، لكنه العَرَض الأكثر وضوحاً وتعبيراً عن المرض الحقيقي الذي أصاب الغرب واسمه "انحسار الحضارة".
 
يرفض الغربيون أن يعترفوا بأن حضارتهم تنحسر، عشرات العقول اللامعة كانت قد بدأت في إطلاق صافرات الإنذار منذ نحو ثلاثمائة عام، حذروا من أن الغرب ماضٍ في طريقه للانحسار إذا استمر على نفس المنوال، لكن لم يسمعهم أحد، ومن حسن الحظ أن رجل أبيض يُدعى (براندر) جمع كل تلك التحذيرات المبكرة عن انحسار الغرب في كتاب واحد، ولم يسمعه أحد، وها هو ذا الانحسار يصل إلى النقطة الحرجة التي سيتحول بعدها إلى انحدار وسقوط، ولازال الغربيون لا يصدقون. 
 
والعجيب أن معهم جانب من الشرقيين يرفضون كذلك أن يصدقوا، أغلب هؤلاء من فئة المثقفين الزائفين الذين يشدهم الحنين الساذج لمجد الغرب الزائل.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة