مع إعلان الحكومة المصرية خطة ترشيد استهلاك الكهرباء قبل أيام قليلة وإعلام كل الوزارات المعنية لتطبيقها مطلع الأسبوع الجديد، في إطار إجراءات مواجهة تداعيات الأزمة العالمية الخطيرة التي أعقبت انطلاق العملية العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية، وتأثيراتها التي طالت العالم أجمع، لاسيما اقتصاديا، بات يلوح في الأفق أهمية التزام المواطنين كافة، بثقافة الترشيد كونها مسؤولية مجتمعية في الأساس، تستطيع حماية المواطن ومجتمعه من شتى مخاطر الأزمات غير المسبوقة في بلادنا.
ثقافة ترشيد الاستهلاك باتت مطلب حياتي من كل المواطنين، ولا نشير فقط إلى ترشيد استهلاك الكهرباء، كما نعت الحكومة مؤخرا، لكن نتحدث بوجه العموم عن ثقافة الترشيد بكل مناحي الحياة ومطالبها، لمواجهة البزخ والإسراف وحماية الوطن والمواطن من مخاطر وأنفاق نحن في غنى عن الدخول فيها من الأساس، ولعل ترشيد الاستهلاك مثلا في الكهرباء، يخفض للمواطن فواتير الاستهلاك الشهرية، ويدعم صناعة المعدات المرشدة للطاقة بما يساعد في تنمية الاقتصاد الوطني والنهوض به، كما يساهم توجيه الفائض من الاستهلاك في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، ويجنبهم فصل التيار نتيجة الأحمال الزائدة لاسيما في أوقات الذروة، أما فيما يتعلق بحماية البيئة، فهذا الترشيد من شأنه يخفض الانبعاثات المؤثرة علينا جميعا، وذلك نتيجة الوفر في استهلاك الوقود بمحطات توليد الكهرباء.
ولاشك في أن الإسلام دعانا إلى ترشيد الاستهلاك والحث على الاقتصاد والاعتدال فيه في سائر الأمور الحياتية، ولم يطلب من الإنسان إلا الموازنة بين كافة الأمور التي يراها نصب عينيه، وعدم الإسراف في المأكل والمشرب وغيره، واستخدام كل ما هو مباح له إلى حد الشبع، وليس بالقدر الذي يدفعه إلى الهلاك، فنهانا الله سبحانه وتعالى عن الإسراف بقوله في سورة الأعراف (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
إن الإسراف في شتى مناحي الحياة، يعطى فرصة للآخرين للمتاجرة واستغلال الأمور في غير نصابها، كما يضر المواطن ومجتمعه والأجيال القادمة، فليس من المعقول أن نترك كافة مصابيح وأجهزة المنزل مشتعلة ونشكو ضعف الخدمة أو زيادة فواتير الكهرباء والطاقة، أو نهدر المياه في غير استخداماتها الطبيعية، فهذا ترفضه بالطبع كل الأديان السماوية ولا تحبذه على الإطلاق.
الاعتدال في كافة الأمور، من أفضل الممارسات التي تحمي ولا تضر، وتفيد ولا تأذي، فليس هناك حاجة للتكالب على شراء السلع وتخزينها، لاسيما في ظل هذه الأزمات غير المسبوقة التي نواجهها بداية من جائحة كورونا وما أحدثته بالعالم أجمع، ومرورًا بالأزمة الروسية الأوكرانية – والتي لا نعلم متى سوف تنتهى! - كونها طالت أهم مورد للإنسان وهو الغذاء، حيث شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعات كبيرة للغاية منذ اندلاع هذه الحرب، بجانب إلحاق أضرار أخرى واضطرابات بسلاسل الإمداد عالميا، إلى جانب زيادة الوقود والتضخم، ولا نعلم ماذا سيأتي بعد ذلك مما تخبئه لنا الأقدار مستقبلا.
وأخيرًا وليس آخرًا، لا داعي للسَرَف ومجاوزة الحدّ فيما يأتيه الإنسان من أفعال، فإن كانت المفسدة أكبر من المصلحة فيجب درئها على الفور، حتى لا تتغلب سلوكيات هذه المفاسد علينا وتطالنا أضرارها المجتمعية السامة، فالإسلام ليس شعائر دينية فقط، بل يشمل كل ما هو مفيد لنا ولمجتمعاتنا، وكل ما هو أسمى وأرفع لأخلاقنا، لهذا يظل ترشيد الاستهلاك من مظاهر حُسن العبادة، كونه يحمي الإنسان وبيئته وأرضه، فنهانا الله عن الإسراف في قوله تعالى (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)، فلا تكونوا إخوانَ للشياطين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة