أتحدث بمقال اليوم عن ظاهرة كانت قد انتشرت بمصر، تزامناً مع الموجة الجديدة لفيروس كورونا والتي أصابت الكثيرين بما يشبه دور البرد الشديد، و هي حقنة مسكنة للآلام، ومخففة للأعراض، وفي نفس ذات الوقت قد تقتل هذا الذي خففت آلامه لوقت قصير.
فما زلنا نعاني قدرا لا بأس به من قلة الوعي بشكل عام، والصحي منه بشكل أكثر خصوصية، وما زال الكثيرون يعتقدون بأن كل إنسان طبيب نفسه، وهو أدرى بمرضه، وما أسهل الذهاب لأقرب صيدلية والسؤال عن دواء لهذا العرض الناتج بكل تأكيد عن مرض، و ما أسرع إجابة بعض الصيادلة الذين يشعرون بالتحقق عند تشخيص المرض، وصرف الدواء دون روشتة الطبيب المتخصص بكل سرور.
وهذا القطاع العريض من المصريين الذين يعتمدون الصيدلي طبيبا، ويتخذون تشخيصه وما يصرفه من علاج محل ثقة وتقديس، قد تهافت على هذه الحقنة السحرية التي تقضى على أعراض البرد السخيفة كالسحر.
ولكن:
قد وقع المحظور بشكل قاس جداً، إذ لم تقتصر أضرار الدواء الذي يستفتي فيه المريض قلبه والصيدلي على مجرد تلف بالكلى والكبد، وبعض الأضرار الأخرى بداخل الجسم على المدى الطويل، لكنها قد بلغت ذروتها لتسبب الوفاة العاجلة بغضون ساعة زمن.
"حقنة هتلر" قد انتشرت بشكل كبير في مصر، لدرجة أن المتحدث باسم وزارة الصحة، الدكتور حسام عبد الغفار، حذر من خطورتها الشديدة. قائلا، إن "حقنة هتلر" عبارة عن تركيبة من: مضادات حيوية وكورتيزون وفيتامينات يتم استخدمها دون وصفات طبية، لعلاج نزلات البرد، وأنها قد تؤدى إلى هبوط حاد فى الدورة الدموية وتوقف فى عضلة القلب ثم الوفاة".
هذا عندما يحدث رد فعل غير طبيعي لجهاز المناعة تجاه مكون أو أكثر من أدوية حقنة هتلر، تلك التي تعد من الخرافات الموجودة في المجتمع العربي وليس المصري فقط، والتى انتشرت نتيجة غياب الثقافة و الوعي الصحي.
وبطبيعة الحال تستخدم "حقنة هتلر" بكثرة داخل المناطق الشعبية والقرى الريفية في مصر، حيث يشعر المريض بتحسن كبير وملحوظ فور استخدامها، دون الالتفات إلى مخاطرها التي قد تودي بحياته.
وهنا يأتي دور الرقابة المشددة علي الصيدليات بتلك الأماكن بالقرى والنجوع والمناطق الشعبية، وما تبقي من العشوائيات، لحظر هذه الأدوية الخطيرة و منع صرفها ووضع عقوبة مشددة على كل صيدلي أو بائع أو صيدلية تطرحها للجمهور ، وغيرها من الأدوية التي يطلبها الناس شفهياً دون روشتة طبيب، فيما عدا الفيتامينات والأسبرين و غيرهما من أدوية الرف كما يسمونها.
نهاية:
أتمنى أن تكون هناك وقفة حاسمة تتبناها الدولة على رأسها وزارة الصحة لمنع هذه المهازل، بوضع القوانين الصارمة وفرض الغرامات القاسية على كل الصيدليات التي تصرف الأدوية دون روشتة طبية محددة كما يحدث بغالبية دول العالم، استكمالاً لهذا الإصلاح بالمنظومة الصحية بعدة ملفات هامة علي رأسها القضاء على الأمراض المزمنة والتأمين الصحي الشامل لكل المصريين الذي أوشك علي الانتهاء من تطبيقه، والفحص الدوري للكشف المبكر عن الأمراض بالمجان.
فما حققته حملة (١٠٠ مليون صحة) يستحق الإشادة، إلى جانب هذا الملف الشائك الخاص بمنظومة الدواء، لتكتمل المجهودات وتعم النتائج بسرعة أكبر، إلى جانب التكثيف من نشر الوعي الصحي بكافة وسائل الإعلام و التواصل الاجتماعي والحملات الصحية التطوعية وغير التطوعية، لتغطية أكبر قدر من أرض مصر و توعية أكبر عدد ممكن من المصريين.
حفظ الله مصر و شعبها..