هنري كيسنجر أو كما يطلق عليه الثعلب العجوز ، وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق وأحد أكبر الدبلوماسيين في العالم خبرة وعمرا ، والذي بلغ من العمر ٩٩ عاما ، كتب منذ ثماني سنوات في مارس ٢٠١٤ ، مقالا في صحيفة واشنطن بوست قال فيه : " في حياتي رأيت أربع حروب بدأت بحماس كبير ودعم شعبي ، لم نكن نعرف كيف ننهيها ، وانسحبنا منها من جانب واحد ، اختبار السياسة هو كيف تنتهي الحروب وليس كيف تبدأ "!
ثم صرح منذ عدة أيام قائلًا أن " الولايات المتحدة تقف على شفا حرب مع روسيا وبكين بشأن قضايا خلافية نحن مسئولون جزئيا عن ظهورها ، دون أن يكون لدينا أية فكرة عن كيفية إنهائها أو ما الذي ستؤدي إليه " .
ما قاله هنري كيسنجر بخبرة سياسي مخضرم هو لب المشكلة الأمريكية ، والتي تتمثل في أمرين : أولهما ، أن الولايات المتحدة لا تتعلم من التاريخ ، على الرغم من أن التاريخ هو المعلم الأول الذي يقاس عليه أي خطوة يمكن أن تتخذها دولة ، ويترتب عليها تحول سياسي أو عسكري أو إقليمي ، وهذا ما جعلها كما قال كيسنجر تنهي أربعة حروب من طرف واحد .
الأمر الآخر ، أنها حين تبدأ حربا ليس لديها تصورا كيف ستنهيها ، وباستثناء الحرب العالمية الثانية ، التي انهتها الولايات المتحدة بإلقاء قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي في اليابان ، وأبادت وأصابت الملايين لم تستطع أن تنهي حربا حاسمة .
على الرغم من كل هذا لازالت أمريكا تعتقد أن لديها القدرة العسكرية والتكنولوجية التي تمكنها من حسم أي معركة ، وهذا بالطبع غير صحيح ، فالعالم اليوم ليس هو العالم أثناء الحرب العالمية الثانية ، وأصبحت هناك قوى عديدة يمكنها الوقوف في وجه الولايات المتحدة ، بل ويمكنها إشعال الحروب والقدرة على المواجهة وتكبيد أمريكا خسائر لا قبل لها بها .
لهذا حين ننظر إلى الأزمة العالمية التي يعيشها العالم الآن بسبب التدخلات الأمريكية ندرك أن افتقاد الولايات المتحدة لخبرات سياسية ودبلوماسية لواحد مثل هنري كيسنجر قد دفع بها إلى طريق سلكته كل القوى التي ضعفت وانهارت عبر التاريخ ، والقائم على عدم الموائمة والاستخدام غير الكفء للدبلوماسية ، ناهيك عن الغطرسة والنظرة الأحادية المتعالية للأمور .
لهذا كان هنري كيسنجر من الذكاء حين اقترح أن تستحوز روسيا على ٢٠٪ من الأراضي الأوركرانية ، وهو ما لن تقبله الولايات المتحدة بسهولة ، إضافة لما ارتكبته من استفزاز في حق الصين في المسألة التايوانية ، والذي يترتب عليه بالضرورة خلق توافق مصالح بين روسيا والصين بشكل مباشر بعد أن اتخذ شكلا متحفظا ومحسوبا ، وبالتالي إذا ما حدث صدام بين هذه القوى فستكون كارثة محققة على الولايات المتحدة وعلى العالم أجمع.
من الواضح أن الفكر الدبلوماسي المتعقل الذي يمثله هنري كيسنجر وأمثاله من سياسي الولايات المتحدة لم يصبح له دورًا ملموسًا ، وأن الولايات المتحدة تضيف إلى أزماتها السابقة التي لم تستطع أن تنهيها أزمة جديدة ، سيكون ثمنها غاليا على مستقبلها ، وربما يعيد توزيع القوى في العالم من جديد ، ليتراجع دورها فهي لم تعرف كيف تبدأ ومتى تنتهي ، وحتى لم تعتف كيف تستفيد بما لديها من خبرات سياسية واعية !
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة