"التفكير خارج الصندوق" عبارة تتردد في الكثير من الاجتماعات والجلسات العامة والخاصة، داخل العمل وخارجه، حتى صارت شعاراً لكل مدير أو مسئول مع موظفيه، ويتم استهلاكها بصورة مفتعلة، وهنا أود الإشارة إلى أن هذه العبارة بقدر ما هي مغرية ومثيرة، بقدر ما هي خادعة ومزيفة، فكيف نترك الصندوق بأكمله ونفكر خارجه، لذلك أتصور أن كل ما نحتاج إليه في الوقت الراهن أن نفتح الصندوق، ونستخدم ما بداخله ونستقر على الحلول والأفكار والتجارب والخبرات التي مررنا بها، دون أن يضيع مجهودنا في أفكار وتصورات سخيفة وغريبة، لمجرد أنها جديدة، دون ترشيح أو انتقاء، ونترك كل ما نتمتع به من أفكار ودراسات وما تعلمناه على مدار سنوات طويلة.
Out of the box”" بقدر ما يتم التشدق بهذه العبارة واستخدامها على نحو يستحق أو لا يستحق، نجد أنها لا تتناسب مع كل الناس، وتحتاج لمهارات عديدة وشخصيات ابتكارية قادرة على إنتاج الأفكار وطرح الرؤى، وتقييم القضايا والموضوعات وإدارة نقاش جاد وفعال حولها، بصورة تتناسب مع متطلبات الواقع، فليس كل شخص قادرة على تجاوز التقليدي والسائد إلى ما هو مبتكر وإبداعي، لذلك علينا التركيز في الجهد والعمل، وفهم محتويات الصندوق جيداً، قبل التفكير خارجه.
الأفكار خطوة على درجة كبيرة من الأهمية، لكن التنفيذ هو المعيار النهائي للتقييم وجودة الإنتاج، الذي يأتي بعد الإعداد الجيد والتخطيط الدقيق، لذلك لا يمكن وصف جميع الأفكار بأنها قابلة للتطبيق أو أنها فرص وأحلام تتسق مع الواقع، فقد تكون تكلفتها الفعلية لا تتناسب مع الإمكانيات المتاحة، فيجب ترشيد عبارة "التفكير خارج الصندوق"، ووضعها في سياقها الطبيعي، والتخلي عن التوظيفات الوهمية التي يقدمها البعض.
ما نحتاج إليه فعلياً ليس تفكيراً خارج الصندوق أو خروج على القديم المعتاد لمجرد التغيير الشكلي، بل نحتاج إلى التفكير بطريقة علمية، تمنطق الأشياء وتضع خطوات واضحة للوصول إلى الهدف بطريقة منظمة وواضحة، وعند التطبيق يجب أن نحرص على وضع قواعد ينفذها الجميع دون اختراق أو حياد، ونبدأ بأنفسنا أولاً، ونضع دائماً القواعد والضوابط دون أن ننسي تحقيق المرونة الكافية، فالمرونة في أي نموذج عملي لا تقل أهمية عن الصرامة وجودة التطبيق.
أهم ما يوصف به الإنسان أنه كائن له ذاكرة وخبرات وتجارب سابقة يتعلم منها، ويصل بها إلى قناعات وأفكار، ولسنا بحاجة إلى إعادة اكتشاف النار أو التعرف على الكهرباء من جديد، فكل ما وصلت إليه البشرية من تطور وتقدم يتم البناء عليه والاستفادة منه بصورة مباشرة، لذلك النموذج الإداري الناجح من وجهة نظري ليس الذى يدًعي أنه يفكر خارج الصندوق أو يعتبر ما يقدمه دائماً طريقاً للتميز والإبداع، بل الناجح هو من يبذل جهد أكبر، وينقل خبراته لكل من حوله، ويطور مهارات الآخرين، بطريقة تسهم في بناء شخصيتهم وتحسين مدركاتهم بالصورة التي تنعكس على العمل والنتائج النهائية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة