حرائق مستمرة وارتفاع في درجة الحرارة وصيف ملتهب، لم ينسَ الأوروبيون بسببه، الاستعداد لفصل الشتاء، وللمرة الأولى منذ وقت طويل تخفف الدول الأوروبية القيود على قطع الأشجار وتحطيبها.
ودفع التحرك الروسى لأوكرانيا ، دول أوروبا إلى إقرار مجموعة كبيرة من العقوبات على الصادرات الروسية، وحملها على التعجيل بخطط الاستغناء عن الغاز الروسى، لكن هذا التحول لم يأت بالسرعة الكافية للحاق بهذا الشتاء، وهكذا باتت جميع بلدان القارة عرضة لارتفاع تكاليف التدفئة.
وتضاعفت أسعار حطب الوقود في ألمانيا وبعض مناطق بلجيكا وهولندا أيضاً، كما بدأت بلديات أوكرانيا فى قطع الأشجار استعداداً للشتاء القارس وما قد تحمله الحرب من اضطراب أشد فى أوضاع البلاد.
ومع أن حكومة المجر اليمينية القومية خالفت إجماع الاتحاد الأوروبي، وتفاوضت على زيادة وارداتها من الغاز الروسي، فإن سلطاتها اضطرت أيضاً إلى تخفيف قيود قطع الأشجار سعياً إلى زيادة مخزون الحطب، لكن القرار استدعى اعتراضات من مناصرين للبيئة، وخرج آلاف الناس للاحتجاج عليه في شوارع بودابست الأسبوع الماضي.
فيما كشف "نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي" في بيانات هذا العام عن احتراق نحو 1.6 مليون فدان من الأراضي في جميع أنحاء القارة.
وجاءت إسبانيا ورومانيا والبرتغال من بين أشد الدول تضرراً بين دول الاتحاد الأوروبي، حيث لقي آلاف الأشخاص مصرعهم بفعلِ الارتفاع الحاد فى درجات الحرارة.
وقال جوزيف سيكيلا، وزير الصناعة والتجارة في جمهورية التشيك، الشهر الماضي: "الشتاء قادم، ولا ندري أيكون شديد البرودة أم غير ذلك، لكن ما نعرفه يقيناً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيواصل حيله الخبيثة".
كما أعلنت شركة الغاز الروسية المملوكة للدولة "غاز بروم"، أن أسعار الغاز الأوروبية قد ترتفع مرة أخرى بنسبة 60%، لتبلغ بذلك أكثر من 4 آلاف دولار لكل ألف متر مكعب من الغاز، وكانت الشركة الروسية قلَّصت إمدادات الغاز المنقولة في خط أنابيب "نورد ستريم 1″، الذي يمر عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا، إلى نحو 20% فقط من قدرته.
وتجاوزت أسعار الغاز في أوروبا حالياً نحو 4 أضعاف ما كانت عليه العام الماضي، وقد كان لذلك تداعيات شديدة على الإنتاج الصناعي، ومن ثم ألزمت حكومات الاتحاد الأوروبي نفسها تقليصَ الاعتماد على الغاز الطبيعي بنسبة 15% قبل فصل الشتاء، وفرضت كثير من الدول الأوروبية مجموعة من تدابير توفير الطاقة، وأقرت إعانات لمعاونة الأسر المتضررة في تحمل الأسعار المرتفعة للغاز.
ومنعت إسبانيا جميع المباني التجارية من ضبط منظم الحرارة الخاص بها على أقل من 80 درجة في الصيف، كما ستحظر ضبط الحرارة فوق 66 درجة في الشتاء.
وأنهت العديد من المدن الألمانية الإنارة الخارجية للمباني العامة وكذلك أغلقت النوافير العامة، وقام آخرون بإغلاق حمامات السباحة الداخلية وإغلاق المياه الساخنة في المباني العامة.
ويحذر فولفجانج هوبشل، المستشار الاقتصادي لحكومات المدن في بافاريا ، من أن المنطقة قد تضطر إلى إغلاق مصانع الجعة أو البيرة لضمان عدم تعرض صناعتها لكيميائية لنقص في الغاز.
وبحسب تقرير لوكالة الطاقة الدولية، فقد تراجع اعتماد أوروبا على الغاز الروسي نتيجة الحرب في أوكرانيا، إذ لم يستورد الاتحاد الأوروبي في عام 2021 إلا حوالي 380 مليون متر مكعب في اليوم من الغاز عبر مختلف خطوط الأنابيب.
وحذر صندوق النقد الدولى من أنه فى أسوأ السيناريوهات المتمثلة فى قطع كامل للغاز الروسى، قد تشهد الاقتصادات الأكثر تعرضًا انكماشًا فى الناتج المحلى الإجمالى بنسبة تصل إلى 6٪ وأن الأسواق الرئيسية مثل ألمانيا وإيطاليا ستشهد انكماشًا يتراوح بين 2٪ و 3٪، وتتجه معظم أوروبا إلى الركود بحلول نهاية هذا العام على أى حال بسبب المشاكل المتعددة التى سببتها الحرب الروسية فى أوكرانيا والركود التضخمى الذى يلوح فى الأفق.
وأشار تقرير نشرته شبكة البلقان الإخبارية إلى تسبب نقص الغاز وارتفاع الأسعار إلى 1800 دولار لكل ألف متر مكعب - عشرة أضعاف المستوى العادى - فى إحداث الكثير من الضرر، واضطرت شركة "يونيبر"، أكبر شركة للطاقة فى ألمانيا، وأكبر مستورد للغاز الروسى فى أوروبا ، بالفعل إلى مطالبة الحكومة الألمانية بخطة إنقاذ فى مؤشر على الانهيار، كما أعلنت الحكومة الفرنسية أيضًا عن خطط لتأميم شركة الغاز الفرنسية الرائدة فى مجال الطاقة، التى تواجه مشاكل مماثلة ، من خلال إعادة شراء 16٪ من الشركة التى لا تسيطر عليها بالفعل مقابل 8 مليارات يورو.
وتطرق التقرير إلى تعذر إرسال توربين غاز نورد ستريم 1 من ألمانيا إلى روسيا بعد إجراء صيانة دورية على التوربين، مما يفاقم من بطء تخزين خزانات الغاز فى المانيا.
وذكر التقرير أن بعض الخبراء على قناعة بأن الشتاء البارد هذا العام يؤدى إلى تفاقم المشاكل، كما أن الشتاء الأوروبي والآسيوي البارد سيجعل الأمور أكثر صعوبة من خلال سحب إمدادات الغاز الطبيعى المسال إلى آسيا، والتى تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعى المسال للتدفئة والطاقة.
وذكر التقرير أن روسيا قطعت تدفقات الغاز عن بولندا وبلغاريا والدنمارك وفنلندا وهولندا وهى تمثل حصة صغيرة نسبيًا من إجمالى الواردات إلى أوروبا، لكن يثير اتساع نطاق حرب الغاز قلق السياسيين الأوروبيين حيث تستخدم روسيا بشكل متزايد أدواتها لممارسة الضغط على الغرب لتقديم المزيد من تنازلات العقوبات.