سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 22 أغسطس 1799.. بونابرت يترك مصر سرا عائدا إلى فرنسا ويوصى كليبر بكسب ثقة كبار المشايخ واعتقال ستمائة وإرسالهم إلى فرنسا

الإثنين، 22 أغسطس 2022 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 22 أغسطس 1799.. بونابرت يترك مصر سرا عائدا إلى فرنسا ويوصى كليبر بكسب ثقة كبار المشايخ واعتقال ستمائة وإرسالهم إلى فرنسا نابليون بونابرت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت الساعة فى منتصف العاشرة ليل 22 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1799، حين أبحرت السفن الأربعة، بينها السفينة التى تقل نابليون بونابرت، عائدًا إلى فرنسا من مصر، وفقًا لعبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من موسوعته «تاريخ الحركة القومية، وتطور نظام الحكم فى مصر».
 
غادر «بونابرت» بعد عام قضاه قائدا للحملة التى جاءت لاحتلال مصر، ويذكر «ج.كرستوفر هيرولد» فى كتابه «بونابرت فى مصر»، ترجمة، فؤاد أندراوس، ومراجعة دكتور محمد أحمد أنيس، أن نابليون علم أن الحكومة الفرنسية تتعاقب عليها الأزمات السياسية والاقتصادية، بحيث أصبح من المحتمل أن تنهار الجمهورية انهيارًا تامًا، فقرر الرجوع، لكنه أبقى الأمر سرًا، ويذكر الرافعى أنه ارتحل عن القاهرة نهائيًا يوم 18 أغسطس 1799، وأشاع أنه يقصد الذهاب إلى منوف للتفتيش على أحوال البلاد، وفى ليلة سفره ترك رسالة باسم المسيو «بوسليج» مدير الشؤون المالية ينبئه فيها بأنه مسافر غدًا إلى منوف، ويوصيه ببذل الجهد فى تحصيل الأموال المتأخرة، ويكتب إليه فى منوف، وهو يعلم أنه لن يصله شىء لأنه اعتزم المضى إلى الإسكندرية، لكنه أراد أن يبالغ فى كتمان رحيله حتى عمن كانوا موضع ثقته».
 
يؤكد «الرافعى» أن نابليون استقر رأيه على اختيار كليبر ليخلفه، وكان يريد الاجتماع به قبل إقلاعه إلى فرنسا، لكن الظروف حالت دون هذا الاجتماع، ويذكر «هيرولد»: «وصل بونابرت وحاشيته إلى الإسكندرية فى 22 أغسطس 1799، ولم يدخلوا المدينة بل وقفوا على أميال منها إلى الشرق فى مكان بين نادى سبورتنج الحالى وقصر المنتزه، وبينما كان ينتظر غروب الشمس راح يتمشى ذهابًا وجيئة مع الجنرال مينو الذى أفضى إليه بالسر ساعتها فقط، وسلمه حزمة من الأوراق، تحوى منشورًا للجيش، وخطابًا للديوان، وتعليمات لكليبر الذى كان يذرع الإقليم من دمياط إلى رشيد، ويقول «الرافعى» إن بونابرت كلف مينو بتوصيل كل رسالة إلى من كتبت له، وأوصاه بأن لا يذيع أمر سفره، ولا يبعث برسالته إلى الديوان إلا بعد ثمان وأربعين ساعة من إقلاع السفن المقلة له ولرفاقه، وعين «مينو» قومندانا للإسكندرية ورشيد والبحيرة.
 
كانت رسالته إلى «كليبر» هى الأهم، ويصفها الرافعى قائلا: «وثيقة على جانب عظيم من الأهمية، كتبت بإمعان وتفكير، وصف فيها حالة مصر السياسية وصفا دقيقا، وشرح فيها الخطة التى عهد إلى كليبر باتباعها».. أجاز له التفاوض مع تركيا لعقد الصلح، إذا حل شهر مايو 1800 دون أن يصله المدد من فرنسا، واستمر الطاعون يفتك بالجنود وزادت ضحاياه على 1500 جندى «فعليك فى هذه الحالة ألا تغامر بالجيش فى الحرب والقتال، ولك أن تعقد الصلح مع تركيا ولوكان شرطه الأساسى الجلاء عن مصر، ولكن فى هذه الحالة يجب بقدر المستطاع تأجيل تنفيذ هذا الشرط إلى أن يعقد الصلح العام، إنك تقدر مثلى أهمية امتلاك فرنسا للديار المصرية، وتعلم أن السلطة العثمانية التى يتهددها الفناء من كل جانب أخذت تنهار دعائمها وتتفكك أوصالها، فجلاؤنا عن مصر يكون نكبة، وسندرك عظم هذه النكبة عندما نرى هذه البلاد الجميلة تحتلها دولة أجنبية أخرى».
 
ثم تكلم «بونابرت» عن رأيه فى حالة مصر الداخلية، فنصح كليبر بأن يستميل إليه العلماء، ويذكر الرافعى أنه قال فى هذا الصدد: «من يكسب ثقة كبار المشايخ فى القاهرة يضمن ثقة الشعب المصرى، وليس بين رؤساء هذا الشعب من هم أقل خطرًا من مشايخه، لأنهم قوم هيابون لم يألفوا خوض غمار القتال، على أنهم رمز للتعصب ولو أنهم ليسوا متعصبين، فهم فى هذه الوجهة يشبهون القسس»، ويوصى بونابرت، كليبر باعتقال خمسمائة أوستمائة من المماليك أو من رهائن العرب ومشايخ البلاد «العمد»، وإرسالهم إلى فرنسا فى حالة استئناف المواصلات البحرية «ليبقوا بها سنة أوسنتين ليروا عظمة الأمة الفرنسية، ويقتبسوا عادتنا وأخلاقنا وأفكارنا ولغتنا، ويعودوا إلى مصر فينشروا هذه المقتبسات بين مواطنيهم».
 
ختم «بونابرت» رسالته بكلمات أراد أن يكسب بها قلب «كليبر» وفقًا للرافعى، وقال فيها: «إن المركز الكبير الذى ستشغله سيتيح لك أن تستخدم مواهبك التى حبتك بها الطبيعة، فإن ما يقع فى مصر سيكون له نتائج عظيمة المدى فى تقدم التجارة وارتقاء المدنية والحضارة، وسيكون هذا العصر مصدرا للانقلابات الكبيرة، أما أنا فإنى أغادر مصر والأسف يملأ قلبى، على أنى ما تعودت أن أنتظر الجزاء الأوفى على متاعبى وجهودى فى الحياة إلا فى حكم الأجيال المقبلة، وإن مصلحة الوطن ومجده وواجب الطاعة لندائه، والحوادث المحزنة التى وقعت أخيرًا، كل ذلك يلجئنى إلى أن أغامر بنفسى وسط أساطيل الأعداء لأصل إلى أوروبا، على أنى سأكون معك بقلبى وفكرى، وستكون انتصاراتك عزيزة فى نفسى أبتهج بها كما لو كانت لى».   






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة