بيشوى رمزى

مستقبل الديمقراطية في ظل "تحالف الأزمات"

الخميس، 25 أغسطس 2022 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حالة أقرب إلى "الفوضى" التي يشهدها المجتمع الدولي في اللحظة الراهنة، جراء تراكم كبير من الأزمات المتزامنة، على رأسها التغيرات المناخية والأزمة الأوكرانية، وما يرتبط بهما من تداعيات كبيرة، تصل إلى حد تهديد السلم والأمن الدوليين، مما ساهم في ارتباك واضح فيما يتعلق بترتيب الأولويات، لدى القوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والتي تجد نفسها محاصرة بين العديد من المآزق، أبرزها ابتعاد الحلفاء، وصعود الخصوم، ناهيك عن انقسام كبير وعميق في الداخل، يتجاوز في مداه وجود إدارة بعينها أو خروج أخرى، وهو ما يزيد الأمور تعقيدا، خاصة مع حالة العجز الكبير في التعامل مع الأزمات الراهنة، التي ترتبط مباشرة بالمواطن، وعلى رأسها تلك المرتبط بالاقتصاد، على غرار الغلاء والتضخم.
 
ربما تلك الحالة المرتبكة، قد دفعت واشنطن إلى ما يمكننا تسميته بـ"مراجعة" قضاياها القديمة، على غرار الثأر من القاعدة، بحثا عن انتصار، وهو ما تجلى في عملية اغتيال زعيم التنظيم الإرهابي أيمن الظواهري، أو في زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى الصين، ربما لإعادة الانتباه مجددا إلى مبادئ الديمقراطية التي كرست واشنطن سنواتها، على قمة العالم للتبشير بها، دون نجاح يذكر، إلا في مناطق نفوذها التقليدية، سواء دول المعسكر الغربي أو بعض الدول الآسيوية، مما دفعها إلى التعاطي مع الواقع لفترات، للاحتفاظ بالنفوذ في المناطق الأخرى، شريطة أن يدور حكامها "الديكتاتوريين" في الفلك الأمريكي، وهو ما تحقق فعليا إلى حد كبير، حتى انقلبت واشنطن على نفسها، في العديد من المراحل، ربما أخرها التخلي عن الحلفاء الديمقراطيين، في أوروبا ومناطق أخرى بالعالم.
 
ولكن بعيدا عن انقلاب واشنطن على الحلفاء، سواء الملتزمين بالديمقراطية أو غيرهم، تبقى المفارقة المثيرة للانتباه في "كفاح" أمريكا لنشر مبادئها، ليست في الأنظمة الحاكمة فقط، وإنما أيضا في مدى تقبل الشعوب لها، في ظل الارتباط الوثيق بالأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية، وهو ما بدا على سبيل المثال في النموذج العراقي، حيث كان إسقاط النظام الحاكم، ليس السبيل الوحيد لبناء ما أسماه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش بـ"واحة" الديمقراطية في الشرق الأوسط، ليكون الفشل هو مصير المشروع الأمريكي، بسبب أوضاع اقتصادية صعبة، وحالة انقسام سياسي كبيرة، واستقطاب إقليمي كبير، ساهم بجلاء في إجهاض الرؤية التي تبناها بوش وإدارته.
 
وحتى إذا ما نظرنا إلى دول أوروبا الغربية، ربما نجد أن التزامهم بالمعايير الأمريكية، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كان مرهونا بالدعم الاقتصادي والأمني، الذي طالما قدمته واشنطن لهم، منذ الخمسينات من القرن الماضي، مما ساهم في حالة من القبول على مستوى الأنظمة للرؤى الأمريكية، تزامنا مع قبول شعبي بفضل الرفاهية الاقتصادية التي عاشها المواطنون، إلا أن الأمور تغيرت في السنوات الأخيرة، مع تقليص الدعم الأمريكي، وتراكم الأزمات المترتبة على سياسات الهجرة واللجوء، وتنامي الإرهاب، فصارت توجهات الشارع نحو التيارات اليمينية في أوروبا، بمثابة خروج على الديمقراطية.
 
الأمر نفسه ينطبق على الولايات المتحدة نفسها، في إطار انقسام غير مسبوق في الشارع الأمريكي خلال السنوات الأخيرة، بسبب تراجع الاقتصاد، والعجز في التعامل السريع مع الأزمات غير المتوقعة، على غرار كورونا، ناهيك عن تداعيات الأزمة الأوكرانية، وما ترتب عليها من تضخم غير مسبوق، ربما أعاد قدرا كبيرا من الحنين إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، ذو التوجه الشعبوي، مع صعود كبير في أسهمه للعودة مجددا إلى البيت الأبيض، إذا ما قرر خوض السباق الرئاسي المقبل في مواجهة الرئيس جو بايدن، في 2024، في الوقت الذي لم يلتفت فيه الأمريكيون كثيرا إلى مقتل الظواهري بضربة أمريكية في قلب أفغانستان، أو تحدي بيلوسي لبكين، بزيارتها إلى تايوان، حيث كانت مثل هذه التحركات تثير إعجاب الشارع، على اعتبار أنها إشارات واضحة على "قوة أمريكا" وهيمنتها. 
 
وهنا ربما نجد أن ثمة علاقة كبيرة بين بقاء الديمقراطية، واستقرارها، حالة الاستقرار المجتمعي في دول العالم، وعلى رأسهم أمريكا نفسها، والتي تعد المبشر الأول بالديمقراطية، بل وتستلهم قيادتها للعالم من خلالها، وبالتالي فإن استمرار الأزمات الراهنة، وتفاقم تداعياتها في المرحلة المقبلة، لا يدفع سوى إلى المزيد من عدم الاستقرار، وبالتالي تقويض مبادئ الديمقراطية، في قلب العالم الديمقراطي نفسه.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة