اشتد الخلاف بين الخديو عباس الثانى، والزعيم الشاب مصطفى كامل، وزادت حدته مع أزمة زواج الشيخ على يوسف، صاحب جريدة «المؤيد» من صفية السادات، وقيام والدها الشيخ عبدالخالق السادات برفع قضية تفريق بينهما لزواجها دون علمه، وكان الخديو يؤيد «يوسف» من وراء الستار، فزاد نفور مصطفى كامل، وفقا لما يذكره أحمد شفيق باشا، فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن».
وقع الزواج فى يوليو 1904، وفى 11 أغسطس 1904 قضت المحكمة بطلاقهما، لكن موقف الخديو المؤيد ليوسف ترك أثرا سلبيا عند كامل، ويذكر «شفيق»، أن الخديو لما سافر إلى ديفون الفرنسية، زاره مصطفى كامل يوم 27 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1904، وصارحه برأيه فى مضار هذا التأييد، وبين له أن الرأى العام لا يعطف على الشيخ، ثم حدثه فى أمور أخرى من هذا القبيل، وكان حديثه للخديو بلهجة شديدة، فغضب الخديو، وغضب مصطفى أيضا، فلما عاد الثانى إلى مصر، اعتزم قطع العلاقات بينه وبين الخديو، فأرسل إليه خطابا يوم 24 أكتوبر 1904 قال فيه: «مولاى تشرفت فى ديفون بالمثول بين يدى سموكم يوم 27 أغسطس الماضى، ورفعت إلى مقامكم السامى أن الحالة السياسية الحاضرة تقضى على بأن أكون بعيدا عن فخامتكم، وأن أتحمل وحدى مسؤولية الخطة التى اتبعتها نحو الاحتلال والمحتلين منعا لتكدير خاطركم الشريف».
أقدم مصطفى كامل، على هذه الخطوة بعد سنوات من علاقته بالخديو الذى حكم مصر منذ يناير 1892 وهو فى الثامنة عشرة من عمره، وحسب عبدالرحمن الرافعى، فى كتابه «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية»: «ساء أن رأى الإنجليز قد وضعوا أيديهم على وزارات الحكومة ومصالحها، فاعتزم وضع حد لهذا التدخل، ووجد فى مصطفى كامل الزعيم الوطنى الشاب الذى استطاع على حداثة سنه أن يحمل علم الجهاد، فأعجب بهذه الشخصية الفذة، إذ وافقت ميوله وآماله فى بداية حكمه، فأمدها بالمال والتأييد وقتا ما، ومن هنا توثقت روابط الود والتعاون بينهما فى السنوات الأولى من حكم عباس»، غير أن |الرافعى» يذكر أن الاتفاق الودى بين إنجلترا وفرنسا فى إبريل 1904، أظهر انحياز الخديو الواضح إلى الاحتلال الإنجليزى لمصر، فرأى أن يقطع علاقته به، وأعلن ذلك فى جريدة اللواء، 25 أكتوبر 1904 مؤكدا، أنه «اعتزم الابتعاد عنه حتى لا يظن أحد أن عليه شيئا من المسؤولية فى جهاده السياسى».
تفتح هذه المسألة باب الأسئلة حول أننا أمام شخصيتين لامعتين فى تاريخنا المعاصر، هما مصطفى كامل والشيخ على يوسف، فكيف كان يراهما الخديو عباس الذى اجتمع عنده غضب الاثنين من بعضهما؟ يذكر عباس فى مذكراته «عهدى»، أنه رغب فى أن تكون هناك جريدة «المؤيد» قادرة على تنوير الأمة، وقيادتها والسير بها شيئا فشيئا إلى فكرة أكثر وضوحا عن الوطن والمواطن، واستدعى كاتبا عربيا، كان البعض أشاروا عليه بحسن استعداده ومميزاته وهو الشيخ على يوسف،، يضيف عباس الثانى: «نجح على يوسف فى شد الرأى العام وتجميعه وتعليمه كيف يفكر، وكانت مقالات المؤيد تقرأ، ويعلق عليها فى أقاصى القرى، وكان المتعلمون يحبون هذه الجريدة وينشرونها، والحق أن الاتجاه الوطنى لعلى يوسف سحر الشباب بالفعل، وربما لم يكن للرجل ميزات جسدية تجعله يحرك الجماهير، ولكن النخبة من البلاد كانت تهتم بهذه الحملة التى كان يقوم بها».
وفيما كان على يوسف فى رأى الخديو لا يملك الميزات الجسدية التى تجعله يحرك الجماهير، جاءت اللحظة التى حبا الله بها مصر بمن يحركها، ويعبر الخديو عن ذلك قائلا: «شاءت العناية التى تسهر على الشعوب كما تسهر على الرجال أن ترسل لمصر باذر البذور المنتظر مصطفى كامل، كان بسيطا وصريحا، وتحت شكله اللطيف كانت تختبئ نفس متفتحة لكل الأحاسيس وقلب يتأثر بكل الحنان، وكانت هبة الله قد أظهرت تفكيره، وكانت فصاحته واضحة، وساخنة، وأسلوبه رشيقا، ويتحرك من البساطة الملائكية، إلى الفصاحة العارمة لشيوخ روما فى الماضى، وكان موهوبا بالقدرة على الإقناع، كما كان له ذلك الإشعاع الذى كان للرسل والأنبياء».
يتحسر عباس الثانى على فشله فى الجمع بين مصطفى كامل والشيخ على يوسف، قائلا: «حلمت بقيام تقارب بين الشيخ على يوسف ومصطفى كامل، ولكن لم أتمكن من الوصول إلى هذه النتيجة أبدا، وكان هناك نوع من الاعتزاز وحب الذات الزائد عن الحد يفصل بين هذين الرجلين، اللذين كانا من الممكن أن يتفاهما دون أن يحب الواحد منهما الآخر، لقد كانت لهما الكثير من الميزات والخصائص التى تدفع إلى تقدير متبادل، كان مصطفى كامل معه الشباب والطلبة والمستقبل، والشيخ على يوسف كان يمارس نفوذه بنوع خاص على الشخصيات التى كانت تحل مراكز اجتماعية مهمة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة