رأت صحيفة الأوبزرفر البريطانية فى مقالها الافتتاحى إن تولي منصب ملك إنجلترا هو عبء ثقيل على أي فرد أن يحمله، ولكن الملكة إليزابيث الثانية عندما حملت على عاتقها هذا العبء تولته بروح من الشرف والواجب طوال فترة حكمها التي استمرت 70 عاما.
وأضافت الصحيفة أنه خلال فترة حكم الملكة، استفادت بريطانيا من ملكة تفهم دورها وحدودها في الديمقراطية، والتي خدمت شعبها لعقود دون كلل أو شكوى، ومثلت وفاتها لحظة فارقة عميقة للمملكة المتحدة؛ فبينما تحزن بريطانيا على خسارتها، يتولى ابنها تشارلز دور الملك في وقت يشهد فيه العالم حالة من عدم اليقين الاقتصادي والدولي والسياسي والدستوري ، ومن ثم فإن الطريقة التي يقترب بها تشارلز الثالث من فترة حكمه ستشكل دون شك مستقبل المملكة المتحدة كملكية دستورية.
وقالت الصحيفة - في مقال افتتاحي أوردته عبر موقعها الإليكتروني اليوم الأحد- إن الملكة كانت الملك الأكثر فعالية والأطول حكما في التاريخ الحديث، كانت حجر زاوية للمملكة المتحدة خلال أوقات التقلبات الاجتماعية والاقتصادية الهائلة ومصدرا للعاطفة الوطنية والفخر المنفصل تماما عن القيادة السياسية للبلاد. وكان هناك العديد من النقاط خلال فترة حكمها حيث توقع النقاد زوال النظام الملكي. لكنها قادت المؤسسة خلال العديد من الأزمات الوطنية والعائلية .
وأضافت الصحيفة أن الإشادات الدولية والتعبيرات القلبية عن مدى التعاطف من السياسيين والشخصيات العامة من جميع أنحاء العالم تعكس حجم الوجود العالمي الذي حظيت به الملكة والعاطفة التي حظت بها على المستوى الدولي ، فربما لا توجد شخصية بريطانية أخرى في التاريخ الحديث حظيت بمثل هذا الاحترام واسع النطاق. لقد كانت مصدرا مهما للقوة الناعمة لرؤساء وزرائها، إذ استضافت زيارات الدولة وعملت على بناء الجسور؛ وتعني فترة ولايتها أنها التقت بقادة العالم أكثر من أي شخص آخر في العالم .
والآن ينتقل التاج إلى تشارلز، الذي تم إعلانه رسميا أمس ملكا ، وفي أول خطاب له للأمة كملك ، أشاد بوالدته ورأت الأوبزرفر أن هناك قدرا كبيرا من الدفء العام تجاهه كملك ، إذ يرغب العديد من البريطانيين في نجاحه، فقد قدم بعض التلميحات المهمة حول كيفية تعامله مع منصبه الجديد، معترفا بأنه سيتطلب منه التراجع عن المؤسسات الخيرية والقضايا التي عمل عليها كأمير ويلز .
وأشارت الصحيفة إلى أن التحدي الآخر الذي يواجهه تشارلز هو تحديث النظام الملكي ، فلطالما كان واضحا بصفته وريث العرش أنه ينظر إلى تقليص حجم الأسرة المالكة إلى مؤسسة أصغر حجما ، مع عدد أقل من أفراد العائلة المالكة الذين يدعمهم دافع الضرائب البريطاني، باعتباره مفتاحا لبقائها. وكان ابنه، الأمير هاري من نواح عديدة بمثابة حافز لهذا الأمر حتى قبل أن يبدأ عهده بالقرار الذي اتخذه هو وزوجته بالتخلي عن واجباتهما كأحد كبار أفراد العائلة المالكة والانتقال إلى الولايات المتحدة .
ومضت الصحيفة تقول إنه في عصر وسائل التواصل الاجتماعي الذي نعيشه، حيث توجد خطوط غير واضحة بشكل متزايد بين القيادة والمشاهير والعام والخاص، سيصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لأفراد العائلة المالكة في السير على الخط الفاصل بين كونها مؤسسة يمكن للمواطنين التعرف عليها ومؤسسة يعرفون أيضا الكثير عنها. لقد كانت هناك بعض اللحظات المتناقضة حيث تولى أبناء الملكة وأحفادها المزيد من واجباتها في العامين الماضيين والتي تعمل على التأكيد على كيفية تعامل الملكة ومستشاريها ببراعة مع جولاتها وزياراتها.
وأوضحت الصحيفة أن الملك تشارلز الثالث، يتقلد منصبه كرئيس للدولة في وقت تواجه فيه المملكة المتحدة تحديات وجودية على نطاق لم نشهده خلال حياته، وبعد أيام فقط من تعيين والدته لرئيس وزراء جديد ، كما تسببت الأزمة الأوكرانية في حدوث صدمة في مجال الطاقة ستخلق ضائقة مالية شديدة للعديد من العائلات والشركات .
واختتمت الصحيفة البريطانية مقالها قائلة إن المملكة المتحدة تكافح لتفهم مكانتها في العالم الحديث في وقت يشهد عدم استقرار عالمي كبير وبعد القرار المترتب على ذلك بمغادرة الاتحاد الأوروبي. في حين تظل سلامة المملكة المتحدة نفسها موضع تساؤل حيث تستمر الحملة من أجل استقلال اسكتلندا في الضغط من أجل استفتاء آخر .
ومن ثم فهو وقت عصيب على البريطانيين الذين فقدوا ملكة كان يحبها ويعتز بها الناس من جميع الأجيال وكذلك وقت عصيب بالنسبة لابنها الأكبر لتولي عباءتها. ومن الصواب أن نتمنى له القوة والشجاعة والحظ السعيد خلال سنوات الخدمة العامة التي تنتظره.