ونحن نحارب الفساد وندعو إلى إيقاظ الضمائر التى تغط الآن فى نومٍ عميق، ونسترجع القيم والأخلاقيات والتقاليد التى تربينا عليها ولكنها اختفت بشكلٍ عام، اللهم إلا قليلاً، لابد لنا من وقفة طويلة للتأمل ومراجعة النفس لنقف بحق على دواعى ومسببات ما آلت إليه أوضاع مجتمعاتنا العربية بشكلٍ عام والمصرية بشكلٍ أكثر خصوصية .
وهذا ما دعانى عزيزى القارئ لتخصيص عدة مقالات فى هذا الشأن لاسترجاع مكارم الأخلاق التى أضاعتها وطغت عليها المادة والمصلحة والرشوة والفهلوة والكذب والزيف وانعدام الضمير، وغيرها من السلوكيات الحديثة التى انتشرت بشراسة لتجعل من الأخلاقيات مجرد جمل وشعارات فارغة من محتواها يتم استدعاؤها من آن لآخر حسب مقتضى الحال !
فالأخلاقيات التى عرفها الإنسان القديم قبل نزول الأديان السماوية بآلاف السنوات تم وضعها لتنظيم العلاقات والتعاملات بين الناس، بعدما استقر الإنسان على ضفاف وادى النيل وعرف الزراعة وبنى البيوت ووضع القوانين التى تحميه وتضمن حقوقه بين الآخرين بعد أن انتهى عصر البدائية والهمجية، إذ كان الإنسان فيه أشبه بالحيوان المفترس الذى يلتهم كل من يعترض طريقه أثناء رحلة البحث عن الطعام حتى وإن كان من يجاوره فى الكهف الذى يسكنه !
فكانت هناك، ومنذ قديم الأزل، مجموعة من القيم الأخلاقية التى اكتسبها الإنسان يوماً بعد يوم فاستتبت وتأصلت وباتت أشبه بالقوانين العرفية التى يحترمها ويقدسها الجميع بشكل ودى، ومن يتخطاها أو يخرج عنها لا يستطيع أن يواجه المجتمع أو حتى يرفع رأسه خجلاً من كونه خارجاً عن العادات والتقاليد التى كانت أقوى وأشد صلابة من القوانين المكتوبة .
ثم جاءت بعد ذلك الرسالات السماوية لتؤكد وتؤصل تلك القيم الأخلاقية التى كان عرفها وعمل بها الإنسان بالفعل، فحثت جميعها على الفضائل وحسن التعاملات بين البشر، مع العلم أنه كانت هناك نماذج شاذة ممن يفسدون فى الأرض، ويتحدون الأعراف والمألوف ليخرجوا عليه، وهم عادة ما يكونون قلة منبوذة معروفة للجميع.
ولكن:
ما الذى أضاع الأخلاق وأطاح بمكارمها وأفضالها ليتم حفظها فى مجموعة من الكتب الجميلة التى هجرها البشر لتحل محلها لغة العصر الحديث بأخلاقياته الجديدة ومستجداته من السلوكيات الرديئة لتمحى تماماً ما علمناه وتعلمناه من آبائنا وأجدادنا عندما كانت هناك أمانة، وكان هناك صدق وقبل أن يختفى الإحسان واحترام الكبير والعطف على الصغير وقبل أن تستحكم أزمة الثقة وتنعدم المروءة والشهامة!
فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"..
أى أن الأخلاق وُجدت مع بداية وجود الإنسان واستقراره، وجاءت رسالة الإسلام كآخر ديانة سماوية لتتوج وتتمم تلك المكارم و تؤكدها لتكون منهجاً موثقاً تسير عليه الأمة كلها.
فقد اتصف النبى عليه الصلاة والسلام بحسن الخلق، كما وصفه الله جل وعلا فى سورة القلم "وإنك لعلى خُلقٍ عظيم".
كما تجسدت من قبل مع ظهور المسيحية تلك الأخلاقيات النبيلة الرفيعة مثل الحلم والصبر والتسامح وغيرها فى شخص المسيح عيسى بن مريم، والتى رآها وعاشها وتشبع بها كل من عاصره فى حياته لتستتب وتستقر وتتأصل وتتحول إلى منهج تسير عليه و تعمل به أمته من بعده.
فالأخلاق أعزائى هى الضامن الوحيد الذى يضمن استمرارية الحياة على الأرض بسلام و مودة و هى الضامن أيضاً لاستمرار النهضة فى المجتمع حيث لا يعنى انعدامها سوى الدمار والخراب والخيبة!
فقد يستمد الناس أخلاقهم من الأعراف والتقاليد وقد يستمدونها من الدين، ولكن فى النهاية هذا يكمل ذاك ويقويه ويؤكده .
إليكم أولى مكارم الأخلاق و علاقتها بالمجتمع: (الإحسان)
إحسان الشىء يعنى إتقانه، فإحسان الكلام صدقه وصحته، وإحسان الفعل إتقانه وأداؤه على النهج الصحيح، فالإحسان بلغة العصر هو الجودة والإتقان. قال الله تعالى:
{وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وقال: {إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}.
وقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}.
كما جاء معنى الإحسان فى حديث جبريل المشهور عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فكانت إجابته:
«الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
فإحسان الكلام: ترك القبيح منه ومراعاة مشاعر الآخر.
والإحسان للوالدين: برهما وخفض الجناح لهما وطاعتهما والإحسان للأقارب: بصلة الأرحام.
والإحسان للجيران: بالبعد عن إيذائهم، وعدم إزعاجهم بأى نوع من أنواع الإزعاج ومراعاة حقوقهم.
والإحسان لليتامى: بالمحافظة على أموالهم إن كان لهم مال، والإنفاق عليهم إن لم يكن لهم مال.
نهاية:
فإن أحسن كلٍ منا معاملة الآخر و أتقن عمله على أكمل وجه و أحسن القول و الفعل فى كل أمور حياته، دون شك سينعكس ذلك السلوك الطيب على المجتمع بأسره فتنصلح أحواله المعوجة و تستقيم أوضاعه الغريبة وسيحرج كل منا الآخر بحسن خلقه مقابل سوء خلق الآخر و الذى بكل تأكيد سيراجع نفسه و يخجل منها ليسترجع قيمه وأخلاقياته التى دفنتها سنوات التجريف تحت أنقاض الزيف والكذب وغيرهما من الموبيقات التى ابتُلينا بها كلما زاد تطور الزمن.
وإلى لقاءٍ قريب مع إحدى مكارم الأخلاق و علاقتها بالمجتمع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة