فى مطار القاهرة، احتضن الرئيس جمال عبدالناصر، القيادات الفلسطينية العائدة من الأردن بصحبة الوفد العربى، برئاسة الرئيس السودانى جعفر النميرى، الذى ذهب بتكليف من القمة العربية الطارئة المنعقدة فى القاهرة منذ يوم 21 سبتمبر 1970، لوقف نزيف الدم المتفجر فى الأردن بين الجيش الأردنى وقوات منظمة التحرير.
يتذكر صلاح خلف «أبو إياد»، أحد مؤسسى حركة فتح والقيادى بمنظمة التحرير الفلسطينية فى كتابه «فلسطينى بلا هوية»: «احتضنا عبدالناصر بحرارة، وهو بادى السعادة لدى رؤيتنا سالمين معافين جميعًا، وأخذنا فى سيارته إلى قصر القبة، حيث كان رؤساء الدول مجتمعين، وقدمت لهم عرضًا عن الوضع فى الأردن، واصفًا وحشية القوات الملكية».
يصف «أبو إياد» رد الفعل على كلامه: «صدمت، كانت وجوههم ساكنة باردة ونظرتهم غائبة أو لا مبالية»، غير أن محمود رياض وزير خارجية مصر يذكر فى الجزء الأول من مذكراته «البحث عن السلام والصراع فى الشرق الأوسط»: «ظهر داخل المؤتمر اتجاه يطالب بإرسال قوات مسلحة عربية من ليبيا والعراق وسوريا للدفاع عن المقاومة الفلسطينية، وكان يمثل هذا الاتجاه الرئيس الليبى معمر القذافى، واعترض عبدالناصر قائلا «إن مهمتنا هى وقف القتال وليس توسيعه، وواجب الدول العربية فى هذه اللحظة هو إنقاذ المقاومة الفلسطينية، وتحدث الملك فيصل مؤيدًا هذا الرأى».
يواصل «أبو إياد»: «أوصلنا عبدالناصر - القدومى وأنا - بسيارته إلى فندق هيلتون بالقاهرة، حيث كان يقيم طيلة اجتماع القمة، ثم استقبلنا بعد ذلك فى الجناح الرئاسى، وطرح علينا سؤالا: ماذا تريدون أن أفعل لمساعدتكم؟، يؤكد أبو إياد، أنه رد بأن حسين لن يوقف المعركة ما دام بقى ياسر عرفات فى عمان، واقترح عودة النميرى لتخليصه.
يؤكد أبو إياد: «المحادثات مع عبدالناصر استمرت طوال الليل - أى أنها استمرت حتى الساعات الأولى من يوم 24 سبتمبر، «مثل هذا اليوم»، وانتهت بموافقة عبدالناصر على مشروعى، وقال لى «إن الفريق صادق سيكلف بخطة خروج عرفات، ولم يبق سوى أن أقنع بقية رؤساء الدول المعنيين بمهمة النميرى الجديدة»، ويؤكد محمود رياض: «أقنع عبدالناصر المجتمعين بضرورة استمرار الحوار مع الملك وليس مقاطعته، ومن هنا وافق المجتمعون على إرسال وفد باسمهم مرة أخرى»، ويكشف «أبو إياد»: «رفض النميرى، واعتبر أن مهمته انتهت، وأنه لا يريد أن يضع قدميه فى عمان، لكنه رضخ بناء لإلحاح عبدالناصر الذى كان يجله كثيرًا».
وطبقًا لرياض: «سافر نميرى مرة أخرى يوم 24 سبتمبر على رأس وفد يضم حسين الشافعى، ورشاد فرعون مستشار الملك فيصل، وسعد العبد الله الصباح، والباهى أدغم، ممثلين لدولهم والفريق صادق».
يتذكر الفريق «صادق» فى مذكراته «موقع البديل الإلكترونى -28 مارس 2015»، أنه بعد قرار القمة بسفر وفدها: «اتجهت للقاء منفرد مع الرئيس عبدالناصر الذى بادرنى قائلا: «أهم شىء عندى الآن هو أن تحضر لى ياسر عرفات حيًا إلى القاهرة، فعرفات يمثل الرمز الفلسطينى ولا بد من إنقاذ هذا الرمز، عليك أن تتصرف بسرية كاملة، ولك كل الصلاحيات، بقية المهام يقوم بها وفد القمة مجتمعا، وضع خططك ونفذ التعليمات فنحن فى سباق مع الزمن».
يقول «صادق» فى الساعة الحادية عشرة وعشر دقائق مساء «24 سبتمبر 1970» وجه نميرى نداء بصوته: «الأخ المناضل ياسر عرفات، باسمى شخصيًا ونيابة عن الوفد الذى وصل إلى عمان هذه الليلة نرجو منكم أن تقترحوا علينا كيف يمكن الاتصال بكم ومكان وموعد الاجتماع وبأى وسيلة متاحة، وبما أن الأمر مهم وعاجل فأرجو تحقيق ذلك حالًا.. نكرر حالًا وشكرًا». ظل راديو عمان يكرر النداء حسبما يؤكد الفريق صادق، وبعد أكثر من ساعة على نداء «نميرى» وفى الساعة الثانية عشرة و45 دقيقة رد «عرفات» ببيان أذيع من راديو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية فى دمشق، قال فيه: «سيادة الأخ الرئيس اللواء أركان حرب جعفر محمد نميرى، نقترح أن تصلوا سيادتكم عبر الطريق الموصل من فندق الكرمان إلى مدرسة عالية إلى مقر سفارة الجمهورية العربية المتحدة «مصر» فى جبل اللوبيدة، ويصلكم مندوب من طرفنا ليرافقكم إلى مقر الاجتماع، لقد عممنا على قوات الثورة فى جبل اللوبيدة لتأمين وصولكم وعدم التعرض لسيادتكم».
التقى الوفد بعرفات، وفيما كان النقاش يدور حول وقف إطلاق النار، كان صادق يخطط وينفذ فى سرية تامة عملية نقل «عرفات» إلى القاهرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة