عند ذكر كلمة أخلاق، لابد وأن نتذكر كتاب "فجر الضمير" للكاتب "جيمس هنري بريستيد"، والذي يثبت أن فجر ضمير الإنسان بدأ من مصر.
والضمير يعني محاسبة النفس على كل خطأ، وهذا هو أساس الأخلاق التي تجلت بكل مكارمها وفضائلها لدى المصري القديم، وخير دليل على ذلك:
وصايا الحكيم (آمينوبي) لابنه فيما يخص فضيلتي القناعة والرضا:
(لا تزحزحن الحد الفاصل الذي يفصل بين الحقول، ولا تكن جشعا من أجل ذراع من الأرض، ولا تتعدين على حد أرملة، وارقب أنت من يفعل ذلك فوق الأرض، فبيته عدو البلد، وأملاكه تؤخذ من أيدي أطفاله، ومتاعه يعطيه غيره، لا تطأن حرث الغير، وخير لك أن تبقى بعيدا عنه، أحرث الحقول حتى تجد حاجتك، وتتسلم خبزك من جرتك الخاصة بك، وإن المكيال الذي يعطيكه الله خير لك من خمسة آلاف تكسبها بالبغي، والفقر مع القناعة والرضا عند الله خير من الثروة "المعطوبة بالعدوان" القابعة في الخزائن، وأرغفة لديك مع قلب فرح خير لك من الثروة مع التعاسة)
فالقيمتان الأخلاقيتان اللتان نتناولهما اليوم ضمن سلسلة مكارم الأخلاق مرتبطتان ببعضيهما ارتباطا وثيقا، كما أنهما غاية في الأهمية، إن كنا حقاً نسعى لمجتمع فاضل متناغم متكافل، لا تلوثه الأطماع والأحقاد التي هي منبع الشر والصراع، ونواة الغل والكراهة بين أبناء الوطن والعرق الواحد.
فالقناعة:
هي الرضا بما قسم الله، ولو كان قليلا، وعدم التطلع إلى ما في أيدي الآخرين، و هي علامة على صدق الإيمان.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقَنَّعه الله بما آتاه) [مسلم].
و الإنسان القنوع يرى نفسه دائماً راضياً لا يلهث وراء الأطماع الكثيرة التي تملأ الدنيا، كما أنها تعلمه أن يكون قوياً وراضٍ بما قسمه الله له من رزق ووظيفة وأبناء وزوجة وبيت وغير ذلك.
كما أنها أيضاً تجنب الإنسان الوقوع في فخ الغيرة والحسد، وتجعله متصالحا مع نفسه، كما هي دون أن يشعر بالسخط أو الألم أو الحزن على الأشياء الضائعة، فلذلك يقولون دائماً:
“كن قنوعاً تكن أغنى الناس”.
-ومن أروع ما قيل في القناعة :
“الاتكال على حمارك خير من الاتكال على حصان جارك” مثل فرنسي
"في العالم كثيرون من يبحثون عن السعادة وهم متناسين فضيلة القناعة" لارسون دوج.
“رأيت القناعة رأس الغنى فصرت بأذيالها متمسكا
فلا ذا يراني على بابه ولا ذا يراني به منهمك
فصرت غنيا بلا درهم أمر على الناس شبه الملك" الشافعي
“الـ “لا” التي تلفظ عن قناعة عميقة أفضل من الـ “نعم” التي تلفظ لمجرد الإرضاء، أو أسوأ من ذلك، لتجنب المتاعب .” غاندي
“اثنان لا يصطحبان أبداً : القناعة والحسد ، واثنان لا يفترقان أبداً الحرص والحسد .”
الحسن البصري
“الغرب رمز الطموح، والشرق رمز القناعة.” ميخائيل نعيمه
وقد وصف لله تعالى المنافقين بعدم القناعة والطمع والجشع وجعلها من سماتهم فقال:
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ [التوبة:٥٩].
قال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رحمةَ ربِّكَ نحن قَسمْنَا بينَهُمْ معيشَتَهُمْ في الحياةِ الدُّنيا ورفعنا بعضَهُمْ فوق بعضٍ درجاتٍ ليتَّخِذَ بعضُهُمْ بعضاً سُخْريّاً ورحمةُ ربِّك خيرٌ ممَّا يَجمعون [الزخرف ٤٣]
وقال تعالي: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ( طه١٣١)
** أما عن "الرضا" الذي يرتبط بالقناعة و يتوجها و يؤكدها
فهو صفةٌ من صفات الله عزَّ وجلَّ الفعليَّة الثابتة بالكتاب والسنة.
· "الدليل من الكتاب":
1- قولـه تعالى: رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة: 119].
2- وقولـه تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْ الـمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18].
"الدليل من السنة":
عن علي رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: « اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ
فلنقنع بما آتانا الله من فضله، ونرضى به، ولا نتطلع إلى ما رزق به غيرنا لتمتلئ قلوبنا بالسكينة، ونفوسنا بالسلام والطمأنينة، فلا ننقم على أحوالنا حتى وإن ضاقت، و لا نحقد على من رزقه الله نصيباً يفوق أنصبتنا ولنعلم أنه سبحانه وتعالى خلقنا فوق بعضٍ درجات لحكمة يعلمها ولا نعلمها .
فالسعادة الحقيقية في القناعة والرضا والسلام الداخلي الذي لا تضاهييه كنوز الدنيا فهو حقا "الكنز الذي لا يفنى".
وخير ختام لمقال اليوم عن القناعة والرضا كلمات الصادق الأمين ذو الخلق العظيم عليه صلوات الله وسلامه:
عن حَكيمِ بن حِزامٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ قالَ:
«اليدُ العُليا خَيْرُ مِنَ اليَدِ السُّفْلى، وابْدَأ بمنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ ما كان عنْ ظَهْرِ غِني، ومَنْ يَسْتعْففْ يُعفُّهُ اللَّه ، ومَنْ يَسْتغْن يُغْنِهِ اللَّه»
متفقٌ عليه.
- وعن سفيانَ صَخْرِ بنِ حَرْبٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه :
« لا تُلْحِفُوا في المسأَلَةِ ، فو َاللَّه لا يَسْأَلُني أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً، فَتُخرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئاً وَأَنا لَهُ كارِهٌ ، فَيُبَارَكَ لَهُ فيما أَعْطَيْتُهُ »
- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه : « مَنْ سَأَلَ النَّاس تَكَثُّراً فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْراً ، فَلْيسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ » رواه مسلم.
و إلى لقاء مع فضيلة أخلاقية جديدة من مكارم الأخلاق.