قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع :( فأتقوا الله في النساء , فإنكم أخذتموهنّ بأمان الله , واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) رواه مسلم
أختص بمقال اليوم قيمة أخلاقية جديدة غاية في الأهمية نظراً لكونها تخص نصف المجتمع ( المرأة) التي إن صحت مادياً و معنوياً و تحررت من أغلالها و عوملت المعاملة التي تليق بها كما أمر الله' صلح المجتمع و استقام و اعتدلت كفتي الميزان بين نصفيه .
فالمرأة هي الأم و الزوجة التي تعد عماد الأسرة و رمانة الميزان بها ، و التي تجاهد بحق من أجل الحفاظ علي هذه الأسرة و بقائها و تبذل ما بوسعا و ما يفوق طاقتها للم شملها حتي و إن كان الزوج غير مبالي !
غير أن قدرة المرأة علي التحمل كبيرة جداً و عظيمة ، فما تبذله النساء من مجهودات و ما تتحمله من أعباء لا يقل عن جهاد الجنود علي جبهات القتال في الحروب الكبري .
و قد أمر المولي عز و جل بتكريم المرأة و إنصافها و تقديرها و الرفق بها و حسن معاملتها و حذر من ظلمها و قهرها و إهمالها و زجرها دون وجه حق .
فكيف لنا أعزائي أن يتعسنا الحظ بالحياة في مجتمعات ذكورية تدعي كذباً المساواة والاعتدال وتقدير النساء ومنحهن كافة حقوقهن دون ظلمهن والنيل من كرامتهن وكبريائهن ووأد عبقرياتهن والتقليل المتعمد من شئونهن؟
و كما ذكرت في سلسلة المقالات السابقة عن الأخلاق وفضائلها ومكارمها؛ أن نشأتها تزامنت مع بداية استقرار الإنسان وتعامله مع الآخرين، حيث كانت الأخلاق هي المنظم الرئيسي لتلك العلاقات بين البشر .
وكما نعرف أيضاً أن المصريين القدماء هم أول من عرف الضمير والقيم والأخلاقيات والفضائل، لتنتقل بعد ذلك إلي جميع بني البشر من قبل الأديان السماوية بزمنٍ كبير.
وفيما يخص المرأة وعلو قدرها لدى أجدادنا العظماء في العصور الفرعونية الكثير و الكثير، وهناك العديد من الأمثلة كما هو الآتي:
فقد نصح حكيم يدعى "آني" ، الرجال بما يلي:
"لا تكن رئيسا متحكما لزوجتك في منزلها، إذا كنت تعرف أنها ممتازة؛ فهي سعيدة وأنت تشد أزرها، ويدك مع يدها. ويصف آني في موقع آخر ، كيف يجب أن يتعامل الرجل مع أمه، فيقول:
"ضاعف الخبز الذي تقدمه لأمك ، وإحملها مثلما حملتك".
كما قال الرحالة اليوناني "ماكس ملر". :
"ليس ثمة شعب قديم أو حديث قد رفع منزلة المرأة مثل ما رفعها سكان وادي النيل". فالنقوش تصور النساء يأكلن ويشربن بين الناس ، ويقضين ما يحتجنه من المهام في الشوارع من غير رقيب عليهن ولا سلاح بأيديهن ، ويمارسن الأعمال الصناعية والتجارية بكامل حريتهن.
و هذا ما أدهش الرحالة اليوناني- فقد إعتادوا أن يحرموا نسائهم السليطات من مثل هذه الحرية ، و لذلك أخذوا يسخرون من الأزواج المصريين الذين تتحكم فيهم زوجاتهم. .
ويقول. .
"ديودور الصقلي". .
- ولعله يهدف بقوله هذا إلى السخرية من المصريين أيضاً - إن طاعة الزوج لزوجته في وادي النيل كانت من الشروط التي تنص عليها عقود الزواج ، في حين يُعد شرط لا ضرورة للنص عليه في أكبر دولة تدافع عن الحريات في العالم مثل أمريكا!
وكان النساء يمتلكن ويورثن ، كما تشهد بذلك وثيقة من أقدم الوثائق في التاريخ ، وهي وصية من عهد الأسرة الثالثة توصي فيها السيدة" نب سنت"بأرضها. . لأبنائها. . .
ثم جاء الإسلام ليكرم المرأة أعظم تكريم و يُعلي من قدرها و يوصي الرجال بالإحسان الشديد إليها ليؤكد و يشرع سنن أجدادنا المصريين القدماء .
فقد قال تعالي في كتابه العزيز فيما يخص المرأة :
-: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ
أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)) لقمان
وقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)) الروم.
و إذ بنا كمجتمع شرقي و لأسباب غير منطقية نضرب بكل ما علمناه عن تاريخنا العظيم و ما أمرنا به ديننا عرض الحائط فيما يخص النساء لنختار لأنفسنا ما هو أدني و ننتهج مناهج دخيلة علي ديننا و مجتمعاتنا و نصل إلي مراحل غير آدمية في كثير من الأحيان من حيث التقليل من شأن النساء و النظرة الغير عادلة لهن في كل شئ و تفضيل الذكور عليهن كما كان في عصور الجاهلية في أرضٍ غير أرضنا نزل بها الإسلام ليطهرها من شرورها و لكننا بفعل فاعلٍ خبيث قد تسللت إلينا تلك الأفكار السامة لتصيب مجتمعاتنا في مقتل و تنشر به أفكار و توجهات لا تليق بنا !
فعلي الرغم من حصول المرأة علي كافة حقوقها في التعليم و تقلدها المناصب الكبيرة إلي أن تولت حقائب وزارية بعدد أكبر مما كان سابقاً ، و فوزها بمقاعد أكثر بمجلسي النواب و الشيوخ و جلوسها علي منصة القضاء و تحررها إلي حدٍ كبير ،
إلا أن النظرة العميقة إلي المرأة ما زالت ناقصة يشوبها التقليل منها و إن كان ضمناً !
ألم يكن رسول الله صلي الله عليه و سلم يساعد زوجاته في أعمال المنزل و يرفق بهن و لا يكلفهن ما ليس لهن به طاقة و يفرض لهن أجراً مقابل ما يقدمنه من خدمات له و لأبنائهن ؟
في حين نعيش زمناً يضرب فيه الزوج زوجته بكل قسوة و يهينها إن قصرت في أداء مهامها اليومية التي لا حصر لها حتي و إن كانت لا تقو صحياً علي القيام بها و بكل ما يثقل كاهلها من أعباء !
و إن مرضت و طال مرضها و أصبحت غير قادرة ، سرعان ما يعتبرها الزوج بلا فائدة فيتركها تواجه بمفردها تَحَوُل الحياة ليبحث عن أخري تمنحه ما ينتظره من خدمات لا تنتهي و كأنه فرضْ وواجب شرّعَهُ و فعّلَه و أقرّه دون أي أساس يستند عليه !
فيا معشر الرجال :
إتقوا الله في نسائكم و عودوا إلي تاريخكم العريق و دينكم الكريم و أخلاقياتكم الأصيلة و قيمكم النبيلة التي تلاشت تحت أنقاض عادات و سلوكيات و أخلاقيات غريبة دخيلة علينا و علي مجتمعنا و لا تليق بنا كمصريين ننحدر من أعظم و أعرق الحضارات الإنسانية و فجر ضميرها الذي أضاء للدنيا كلها مصابيح الخُلُق و الدين و الرقي و التقدم في كل شئ .
و خير ختام لمقال اليوم كما هي العادة كلمات النبي الكريم صلوات الله و سلامه عليه فيما يخص إكرام المرأة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال '
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:
مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ، واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا؛ فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا.
إلى لقاء مع فضيلة أخلاقية جديدة من مكارم الأخلاق .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة