لم تكن المباريات هي المهمة بل كانت هي الأقل أهمية في الحدث... فاليوم يعلن أسطورة رياضية في عالم كرة التنس اللعبة الصفراء اعتزاله ونهاية مشواره الطويل وبعد أن حقق أرقام قياسية ربما لا يصل اليها لاعب آخر.
إعلان اعتزال روجير فيدرر كان هو الحدث الأهم والأبرز رياضيا خلال الأيام القليلة الماضية تحديدا يوم الخميس الماضي في بطولة ليفر الدولية بين فريق العالم وفريق أوروبا.
لحظة مؤثرة للغاية ليس بالنسبة لروجر فقط وإنما للملايين من عشاقه وعشاق اللعبة منذ حوالي ربع قرن مع ظهور "المايسترو الفنان"- هكذا كان خبراء اللعبة يطلقون عليه بسبب ابداعه وفنه في اللعب- بعد سنوات من اعتزال بوريس بيكر وبيورن بورج. لكن روجر كان أكثر ابداعا وفنا ومتعة في اللعب على عكس القوة والشراسة لبورج وبيكر، حتى أن منافسيه في اللعبة كانوا كثيرا ما يصفقون له وينتظرون بشغف للعب ضده حتى لو خرجوا على يديه
كل منافسيه أحبوه وكانوا أصدقاءه خارج حدود العشب الأخضر أو الملاعب الرملية.. قوة المنافسة وشدتها وشراستها داخل حدود ملعب التنس شيئ والعلاقات بين كبار اللعبة شيئ آخر . الكل يسأل عن الآخر ويساهم في أعمال خيرية ويندهش الذين يأخذون من الرياضة حرب وثآر من ابتسامات وأحضان نادال وفيدرر وديكوفيتش وروديك وموراي بعد المباريات وقبلها وخارج الملعب.
اللقطة الأثيرة والمذهلة في ليلة اعتزال المايسترو وأثناء كلمته لوداع الجمهور في لندن هي جلوس الماتادور المنافس التقليدي لفيدرر طوال مشوار حياته الأسباني البطل رافائيل نادال الذي انهمرت دموعه بغزارة أثناء كلمة فيدرر. لم يتمالك نادال نفسه ويتحكم في عاطفته ومشاعره الحقيقية تجاه فيدرر المنافس اللدود فبكى وكأنه يودع العزيز والغالي.
دموع نادال – لأصحاب رياضة الفضائح والشتائم والعداوة والفتن- كانت تحمل أكثر من رسالة من لاعب كبير له شعبيته الجارفة حول العالم. نادال بدموعه أخجل من لا يرون في الرياضة سوى انها حرب داحس والغبراء وإنها الانتصار والفوز فقط ودونه الموت..! وعليهم أن يخجلوا ويتقازموا أمام دموع نادال. دموع الماتادور تعني أن الرياضة هي رياضة السلام والمحبة والصداقة، علينا أن نتنافس بكل حبة عرق داخل الملعب لكن بعد أن تنتهي المبارة ينتهي كل شيئ يتعلق بها. ثم تبدأ علاقات المحبة والصداقة خارج الملعب.
دموع نادال تعني أنه خسر خصم عفيف شريف انتشرت بسببه ومعه لعبة التنس حول العالم حتى تكاد تنافس شعبية كرة القدم واجتذبت المشاهير من الفنانين. ولو سألت نادال مع من كنت تحب اللعب طوال الوقت حتى ولو خسرت لأجابك دون تردد" انه المايسترو صديقي روجر" فالعالم ينتظرنا معا ويحتشد بالألاف في الملعب وبالملايين حول الشاشات حتى لو طالت المباراة الى ساعات طويلة فهناك متعة في السلوك الرياضي وفي حرفية اللاعبين وفي متعة اللعبة
بالنسبة لي كنت انتظر مبارياتهما معا وفي احدى المرات استمرت المباراة الى اكثر من سبعة ساعات وكنت أتمنى ألا تنتهي هذه الفرجة والمتعة والفرحة والبهجة خلال مشاهدة الكبيرين.
دموع الكبير كانت تعني أن اعتزال الكبار تأخذ من شهرتهم ومن مستواهم ومن شهرة وانتشار اللعبة ومن حياتهم وهو ما قاله نادال يوم الخميس الماضي:" إنه باعتزال روجر فيدرر ينتهي جزء مهم من حياته". وأضاف نادال وهو يغالب دموعه: “الأمر كان مؤثرا للغاية.. كان من الشرف لي أن أكون جزءا من هذه اللحظة التاريخية في رياضتنا. لقد تشاركنا العديد من اللحظات، على مدار الكثير من الأعوام"
دموع نادال جعلته يفكر هو الآخر في عدم اللعب كثير، فليس معنى اعتزال الخصم القوي أن يفرح ويسعد ويعتبر أن ساحة اللعبة البيضاء لن يسع غيره.. فهو أدرك مع فيدرر أنه بطل في وجوده وفي المنافسة معه وفي الارتقاء بمستواه، فالقوي لا يحب سوى التنافس مع الأقوياء.
قرر نادال أن تكون مباراة روجرر فيدرر الأخيرة معه، أن يلعبا سويا في مباراة زوجي، فالنتيجة لاتهم لكن المعاني من وراء اللعب سويا كثيرة لمن يعي ويفهم ويدرك قيمة ومعنى الرياضة الحقيقية.
المباراة كانت الأخيرة في مشوار اللاعب السويسري، الذي اعتزل اللعبة البيضاء بعد 24 عاما حصد خلالها 8 ألقاب ويمبلدون ليصبح الأكثر فوزا بلقب البطولة الكبرى في التاريخ فقدجاءت اللحظة الحزينة التي كان يخشاها عشاق التنس. فهو لاعب لن يتكرر كما قال أبطال اللعبة من القدامى والحاليين.
دموع نادال كانت تناشد روجرر " أرجوك لا تعتزل ولا ترحل " التنس لن يظل كما هو بدونك" لكن ستبقى أعز الأصدقاء.
كفاك بكاءا يا نادال.. لا تبك أرجوك ...فقد جعلتنا في ملاعبنا العربية نخجل من أنفسنا فنحن لا نرى في الرياضة سوى أنها " عنق وضرب وعداء ومحاكم وقضايا ومكائد...وأشياء آخرى."
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة