يستحق بروتكول التعاون الذي وقعته وزارة الثقافة والمتحدة للخدمات الإعلامية لإدارة وتشغيل سينما الشعب من حيث المحتوى، التفاتة محبة لأسباب عدة أبرزها أنه حدث سينمائي جديد، يساهم في تقليص المسافة بين السينما وبين جمهور محتاج للسينما ومهتم بالشأن السينمائي، غير أن مشروع سينما الشعب في حد ذاته يأخذنا صوب مرحلة جديدة من التنوير ما أحوجنا إليها، فمن ناحية إنه يحقق أملنا في انتشار الجمال مقابل أفكار التعصب والفراغ الروحي والمعرفي والإنساني، ومن ناحية أخرى يعيد الدور الفاعل لقصور الثقافة التي تتولى هيئتها المشروع، وينفض عنها سنوات من العتمة والإهمال وعدم الوصول إلى الناس.
إن ما يحدث الآن في رأيي هو خطوة ضرورية في طريق طويل، يستوجب الكثير من الجهد، حتى لا نعود لتكرار السؤال: من أين يأتي الإرهاب والعنف؟ لأن التجربة وقبلها المنطق والبديهة أجابونا بأنه في غياب الجمال والفن يحل الظلام والتطرف.
الفكرة ليست فقط في أن قصور الثقافة بمحافظات مصر المختلفة، ستعرض أفلامًا برسوم رمزية تبدأ من 20 جنيهًا، لإتاحة الفرجة للجميع، وهذا بالطبع أمر مهم خصوصًا في ظل إرتفاع أسعار التذاكر، بما يحرم الجميع من المشاهدة وحضور الأفلام، إنما إضافة إلى ذلك فإن الفكرة تشكل إنعطافة ثقافية بما يساعد في إطلاق تواصل سوي مع الإنتاج السينمائي كرافد مهم من الثقافي عمومًا.
إذا كانت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية قد أخذت على عاتقها إمداد المشروع بالمحتوى، واعدة بالتنويع ما بين الوثائقي والروائي، إضافة إلى تجديد وتطوير صالات العرض، فإن هذا يزيد من أهمية المشروع، ويؤسس حيزًا مكانيًا وإبداعيًا يناهض صناعة التعصب والرجعية التي تمترست طويلًا، إما في الأحياء الفقيرة أو أطراف البلاد أو حتى في عمقها، مع غياب تفعيل الحركة الثقافية، وهو ما كشف حجم التراجع في الوعي الفردي والجماعي، بما لا يليق ولا يناسب الطبيعة المصرية وتاريخها وحضارتها.
لذا فإن هذا المشروع يتلقف التجديد وإعادة التأهيل الجذري في المشروع الثقافي، وسط تحديات كثيرة، وهذا أمر يستوجب عدة نقاط لكي يصوغ المشهد الثقافي السوي، أهمها: بلورة خطاب الوعي والمعرفة بأسلوب مبسط يصل للناس بسهولة، وذلك يحدث بشكل مباشر من خلال التنوع في عروض الأفلام، وهو ما أشرت إليه سلفًا وما أكدت عليه المتحدة الخدمات الإعلامية، بما يحقق متعة الفرجة وقيمة المتابعة، والوقوف عند أنواع أخرى من السينما، كالتسجيلية مثلُا كإنتاج سينمائي مختلف في الجغرافيا والأشكال والمواضيع والانفعالات، لأنه لابد من القول إن الوقت حان لجعل الجمهور يعتاد أفلامًا مغايرة، حان الوقت لجعل هذا الجمهور يتدرب على أنماط سينمائية مختلفة، مصرية وغيرها.
ولأن هذه المبادرة تطمح إلى تحقيق سينما شعبية حقيقية وتروج لفكرة توزيع العدالة الثقافية بين الجميع، بما يسعى للقضاء على الأمية الثقافية، فإنه في تصوري تحتاج إلى شقين مهمين: الأول يتركز في الترويج الواسع للمشروع والثاني في توسعه ليشمل صالات عرض أخرى، إضافة إلى صالات هيئة قصور الثقافة التي يُفترض بها أن تحافظ على مكانتها كصالة شعبية، كما تلاحق التطور التكنولوجي في أساليب العرض، فهناك صالات عرض تتبع الدولة موجودة في الصعيد والأقاليم مغلقة وتحتاج التجديد، كما أن هناك مدن تحتاج إلى منافذ للعرض وفيها جمهور لديه رغبة في الترفيه، وكذلك لديه نزعة ثقافية في مزيد من المشاهدة السينمائية، فالاهتمام بهذه الصالات لن يزيد من عددها فقط، إنما سيصنع نوعًا من تطوير مفهوم العلاقة الجماهيرية بالسينما، ويسهم في تفعيل المشاهدة وبلورة آفاقها الثقافية والفنية، كما أنه سيضمن نوعًا الربح المادي، ما يعني أنه على الطريقة التجارية لن تكون هناك خسارة، بل مكسب لكل الأطراف.
إذن، فإنه لا شكّ في أن جمهور السينما وهو كبير، يحتاج إلى هذه المبادرة، كحاجته إلى مشاريع أخرى تصب كلها في مصلحة التنويع السينمائي المطلوب بإلحاح، ويحتاج إلى أنشطة موازية له، كالاهتمام بالأندية السينمائية الموجودة وإنشاء أندية أخرى، لتكون حيزًا للتواصل الثقافي والفني، يفسح مجالًا أوسع لمشاهدة الإنتاج السينمائي ويسعى إلى تقديم خيارات عدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة